“القصّة مش رمّانة… قصّة قلوب مليانة”

هذا المثل الشعبي اللبناني يعكس حقيقة الوضع الداخلي في لبنان، وقد اتت مسألة تهريب المخدرات الى السعودية عبر لبنان من خلال فاكهة “الرمّان”، لتزيد من اهميّة هذا المثل في الوضع الراهن. ما ان انتشر خبر الرمّانات المخدّرة والموقف الذي اتخذته السعوديّة بعده، حتى تلقّف اللبنانيون المسألة لزيادة الانقسام بينهم. ولمن لا يعرف سبب استعمال هذا المثل، فقد شرحه اللبنانيون انفسهم من خلال تصرفاتهم ومواقفهم، وعبّروا بأن ما يقسّمهم ليست مجرد امور عابرة، بل مواضيع قديمة و”ثأر” امني وسياسي متجذر فيهم ويتحيّنون الفرصة لاخراجه الى العلن.

الحقيقة تقال ان الموقف السعودي مبالغ فيه، ففي كل دول العالم يتمّ ضبط كمّيات كبيرة من الممنوعات اكانت مخدرات ام غيرها، مصدرها دول اخرى اما بشكل مباشر او عبرها، ولم نسمع بأنه بعد حادثة من هذا النوع تم توقيف الواردات من الدولة “المتّهمة”، علماً ان لبنان ليس بلدًا مصدراً للرمّان، كما ان قضية “امير الكبتاغون” الّذي ذاع صيته في لبنان والسعوديّة، لا تزال ماثلة في الاذهان، ناهيك عن أنّ آفة المخدرات في السعودية تزداد انتشاراً منذ فترة، ويكفي النظر الى ما ادلى به موظف التوعية الوقائيّة في إدارة مكافحة المخدرات بمحافظة جدّة عبد الجبار المالكي في هذا الصدد عام 2019(1).

هذا الواقع لا يبرر بأي حال من الاحوال، تهريب المخدرات والتعاطي فيها لانها بمثابة “جريمة قتل” للمجتمعات وخصوصاً للشباب، ولكن هذا لا يعني ايضاً اتّخاذ مثل هذه المواقف، بل تعزيز التعاون مع الدول المعنية أكانت مصدر التحضير او تلك التي تمرّ فيها (كوضع لبنان في مثل هذه الحالة)، بدل اتخاذ قرارات متسرّعة لن تفيد، بل تزيد الاوضاع تعقيداً وخطورة.

على أي حال، وفي عودة الى الموضوع الاساسي والاهم الذي يكمن في الوضع اللبناني الداخلي، فقد تهافت اللبنانيون على تحويل هذه المشكلة لصالحهم، فانبرى من هم خارج السلطة الى الدفاع عن السعوديّة وعن قرارها، واعتبروا انه “مضبطة” اتّهام للسلطة، كل ذلك بهدف تسجيل النقاط والامعان في تحطيم صورة اخصامهم السياسيين. في المقابل، ينشط من هم في السلطة لاستقطاب السعوديّة الى صفّهم، لـ”زكزكة” مناوئيهم في الدّاخل، واثبات انّ هؤلاء لا يتمتّعون برضى عربي خليجي، وبشكل خاص رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري الذي ركب موجة الامارات العربيّة المتّحدة علّه يصل من خلالها الى الشاطئ السعودي، دون ان تنجح مساعيه في هذا الاطار.

لا يمكن لاحد ان يصدّق ان مشكلة تهريب كميّة من المخدرات عبر لبنان، اصابت فقط هذا البلد دون سواه بسهام سعوديّة، اذ ربّما المطلوب زيادة الضغوط والاصرار على توسيع الشرخ الداخلي، للوصول الى نقطة اللاعودة مع الرهان بعدها على حلحلة الامور بمنطق قوّة الامر الواقع وعدم القدرة على المخاطرة اكثر من ذلك، لانه عندها لن تكون المشكلة محلّية او اقليميّة، بل ستتحوّل الى مشكلة دوليّة لا يبدو انّ احداً مستعداً لاستقبالها او التعاطي معها في هذه الظروف.

من المؤكّد ان كل المشاكل الحاليّة التي يتعرض لها لبنان هي مشاكل سياسية خارجية، ولن ينفع ترداد عكس ذلك على لسان احد اكان في الداخل او الخارج، على انها مشاكل لبنانية محض، ولا يزال الكثير من المتابعين للوضع اللبناني على اقتناع تام بأن الحلّ هو سحريّ بالفعل، وسيتم الوصول اليه فور الافراج عن كلمة السر الخارجية.

طوني الخوري

(1)قال موظف التوعية الوقائيّة في إدارة مكافحة المخدرات بمحافظة جدّة عبد الجبار المالكي في تصريح لموقع “العربية نت” في كانون الثاني  من العام 2019: “رصدنا أيضاً المصاحف وكوابل كهربائية وهيدروليك السيارات والمكابس وخيوط الصوف، كطرق جديدة في التهريب”. واشار إلى وجود أكثر من 25 مكتبا تابعا لمكافحة المخدرات في الدول التي تشتهر بتجارة المخدرات، إذ يتمّ التواصل معها بشكل مستمرّ للإبلاغ عن أيّ عملية مشبوهة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.