محمد جواد ظريف في خانة المساءلة والاتهام: هل يلقى نفس مصير رفسنجاني ويُنفى سياسياً؟

لا يمكن فصل تسريب التسجيل الصوتي لمقابلة سرية داخلية مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، عن ملفين أساسيين يتعلقان بطهران في المرحلة الراهنة: الأول هو المفاوضات التي تخوضها حول الإتفاق النووي في فيينا، أما الثاني فهو الإنتخابات الرئاسيّة المقررة في شهر حزيران المقبل.

بالنسبة إلى الملف الثاني، حتى الساعة لا يزال ظريف مصراً على نفي نيته الترشح إلى هذا الإستحقاق، لكن في المقابل هناك الكثير من الدعوات التي توجه له من قبل التيار الإصلاحي في الجمهوريّة الإسلاميّة، الأمر الذي يدفع بالكثيرين إلى ربط التسريب بهذا الإستحقاق بشكل أساسي.

في الروايات المقدمة، يمكن الحديث عن 4 جهات قد تكون خلف ما حصل: الأولى هي التيار المحافظ لمنع وزير الخارجيّة من الترشح للإنتخابات الرئاسية وحرقه في هذه الانتخابات، أما الثانية فهي الجهات الراغبة في ترشّحه، على قاعدة رمي الفشل الحاصل في بعض الملفّات على العسكر بغية التسويق له، وإظهاره متمايزاً عن باقي عناصر النظام لجذب أكبر عدد ممكن من الأصوات، بينما الثالثة هي جهات داخل التيار الإصلاحي راغبة في تقديم مرشّح آخر، في حين أنّ الرابعة هي الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، مع عدم غضّ النظر عن احتماليّة قيام جهة خارجيّة بهذا الموضوع بهدف خلق بلبلة داخليّة في البلاد، وهذا ما حصل.

طريقة تعامل ظريف مع الحادثة، تقود إلى إستبعاد الخيارين الثاني والثالث، نظراً إلى أنه في الساعات الماضية عمد إلى محاولة التأكيد على عمق العلاقة التي كانت تجمعه مع القائد السابق لفليق القدس الراحل قاسم سليماني، في مؤشر إلى رغبة لديه بعدم وضعه في موقع الصراع بين الدبلوماسية والعسكر، لا سيما أنّ سليماني لديه مكانة هامة عند الإيرانيين، خصوصاً بعد اغتياله، بغض النظر عن الخلافات في وجهات النظر بين الرجلين، التي كانت تظهر بين الحين والآخر. كما أنّ الرئيس حسن روحاني، عمل منذ الساعات الأولى لانتشار التسجيل الصوتي، على إدانة ما حصل، طالباً من وزير الاستخبارات محمود علوي إجراء كافة التحقيقات لمعرفة الشخص الذي سرّب هذا المستند، والذي يعتبر سرّياً.

في هذا الإطار، قد يكون من الضروري الإشارة إلى أنّ هذه الخلافات كانت قد ظهرت في فترة ماضية، خلال زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى طهران، التي أثارت حولها الكثير من علامات الإستفهام الداخلية، نظراً إلى أنها قادت إلى تقديم ظريف استقالته، قبل أن يعود عنها لاحقاً، بسبب عدم التنسيق معه، في حين أنّ سليماني كان حاضراً في اللقاء الذي جمع الأسد مع المرشد الأعلى السيد علي خامنئي.

بالعودة إلى الملفّ الأول، والمتعلق بالمحادثات الجارية في فيينا لإعادة إحياء الاتفاق النووي، أظهر تسريب التسجيل الصوتي تأثيراً على هذا الملف. حيث صوّبت الكثير من السهام على هذه المحادثات منذ بدايتها، مروراً بعرض مسلسل غاندو الذي انتجه الحرس الثوري الإيراني على التلفزيون الرسمي، وصولاً إلى هذه الحادثة التي استغلّها الأصوليون في إيران لإظهار ظريف والفريق المفاوض على أنه “منبطح للغرب”.

ما يحصل مع ظريف اليوم، يذكّر بحقبة عاشها الإيرانيون في آخر حياة الرئيس الإيراني الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي كان في فترة منها، أحد أعمدة النظام الإسلامي في إيران، وهو ممّن دعوا لتسمية علي خامنئي قائداً في إيران، خلفاً لروح الله الخميني. إلا أن بعض آرائه التي تمايز فيها عن خامنئي في آخر حياته، والتي حاول فيها التقرّب من الغرب وشطب عبارة “أميركا الشيطان الأكبر”، جعلته معزولاً سياسياً، وهو ما ظهر برفض مجمع تشخيص مصلحة النظام(1) لترشيحه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي عاشها.

فهل يلقى ظريف المصير نفسه، أم أن ما حصل سيكون دعامة له في حال أخذ مظلة خامنئي من جهة، وأعلن رغبته بالترشح للانتخابات من جهة ثانية؟.

 

ماهر الخطيب

(1) أحد أجهزة الحكم في إيران وهو الهيئة الاستشارية العليا له حيث تنص المادة 112 من الدستور الإيراني بأن: ” تشكيل مجمع تشخيص مصلحة النظام يتم بأمر من القائد الأعلى للجمهورية الإسلامية لتشخيص المصلحة في الحالات التي يرى مجلس صيانة الدستور الإيراني أن قرار مجلس الشورى الإسلامي يخالف موازين الشريعة والدستور في حين لا يوافق مجلس الشورى الإسلامي الإيراني آخذاً بنظر الاعتبار مصلحة النظام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.