أين يغيب جعجع؟

لم يعد المشهد السياسي في لبنان هو ذاته. بدّلت الأزمة القائمة قواعدَ اللعبة، إلى حد تعتقد فيه شخصيات سياسية أن غيابها عن المشهد يحصر مسؤولية الأزمة عند خصومها الفاعلين، أو “السلطة الحاكمة”. يتصدّر رئيس حزب “القوات” سمير جعجع قائمة الجالسين على التلة لمراقبة المشهد، والتصويب إفتراضياً على الحكّام. يعتقد “الحكيم” أنّ غيابه يُكسبه مقاعد نيابية إضافية، نتيجة سخط اللبنانيين على السلطة. إذا صحّت مقولة السخط، وهي منطقية، فلن تحيّد حزب “القوات” لإعتبارين: أولاً، بسبب مشاركته في الحُكم خلال الفترة القليلة الماضية، وصولاً إلى دوره الأساسي في إيصال العهد الرئاسي الحالي إلى سدّة المسؤولية الأولى في البلاد. لا يستطيع جعجع رمي كرة المسؤولية لا في بعبدا ولا في بيت الوسط، وهو كان شريك الفريقين في حكومات وصفقات سياسية، منها التسوية الرئاسية. ثانياً، لا يكفي الوقوف على التلة للرصد والإنتقاد عن بُعد. يتساوى هنا المسؤول عن الأزمة بمن تخلّى عن دوره في رسم مسار علاج الأزمة. لا يريد اللبنانيون حالياً حيادية سلبية، بل يريدون فعالية إيجابية لدفع البلاد نحو الحل. كان يمكن ان يشارك حزب “القوات” في الحكومة العتيدة لإنهاء الخلاف الدائر حول من يسمّي الوزراء المسيحيين. لماذا الحكومة؟ لأن تأليفها مطلب لبناني وخارجي ينطلق من أهمية تأليف مجلس للوزراء على قدر المسؤولية الوطنية، يطوي صفحة هذه الحكومة الهزيلة، ويباشر في تنفيذ خطة إنقاذ.

كان من المفترض ان يتجاوز السياسيون خلافاتهم، وحساباتهم الإنتخابية، ووضع أيديهم معاً لفرض خطة علاج للبلد، لا أن يراهن “الحكيم” كما حال رئيس حزب “الكتائب” سامي الجميل على الإستحصال على مقعد أو مقعدين نيابيين بالزائد. اللبنانيون لا يريدون فريقاً سياسياً، كحزب “القوات” العريق أن يستقيل من دوره ويكتفي بالتفرج من دون لا سعي ولا محاولة. غداً سيقول الناخبون لجعجع: أنت شاركت ثم تنصلّت ثم تفرّجت ثم تدعونا كي ننتخب متفرّجاً نأى بنفسه عن ورشة الإنقاذ.

قد يكون مطلب “الحكيم” لإجراء إنتخابات نيابية مبكرة هو عنوان هروبه من واقع لبناني سيء. لكن جعجع يعرف ان الإنتخابات المبكرة هي شعار لا يتحقق حالياً. يُفترض بجعجع وهو سياسي محنّك أن يُدرك أن اللبنانيين يعرفون أن مطلب الإنتخابات المبكرة هو للإستثمار السياسي لا غير. قبله نادى “الشيخ سامي” بالطرح من أجل كسب نائب كتائبي إضافي، لكن يُفترض برئيس “القوات” أنه يُدرك أن الناس تمضي خلف القائد السياسي المِقدام، لا المتخفّي خلف شعار، والهارب من تحمّل المسؤولية الوطنية. ألم يراكم “الحكيم” تجربته السياسية بالمواجهة؟.

لو أراد جعجع توظيف علاقاته الطيبة مع دول عربية وغربية من أجل فرض حل في لبنان، لكان ساهم في صياغة المخارج. لكن “الحكيم” قرر أن يتفرج ويعترض من دون أي جهد ولا رغبة. ما هكذا تربح القوى الإنتخابات. وما قيمة نائب أو نائبين أو ثلاثة إضافيين في وقت يحيّد القائد السياسي نفسه ويكتفي بالتفرج على إنهيار بلده؟.

تُحدثنا تواريخ الشعوب عن أنّ الهروب لا يصنع قيادات، ولا يُبقي القوى السياسية موجودة. فهل يعرف “الحكيم” تلك المعادلة؟.

إن غياب جعجع لن ينفع “الحكيم”، ولن يزيد من اعداد كتلته النيابية التي تبلغ الآن خمسة عشر نائباً حزبياً وحليفاً. وفي حال وصلت إلى العشرين، فماذا يتغير حينها؟ لا شيء. سيحتاج جعجع الى تحالفات وطنية مفقودة، لا إلى أعداد نيابية إضافية.

عباس ضاهر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.