مصير رسالة الرئيس كسابقاتها… و”المُستقبل” و”التيّار” سيُصعّدان!

وجّه رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون رسالة جديدة إلى مجلس النواب، تناولت هذه المرّة الإرتدادات السلبيّة للتأخير في تشكيل الحُكومة، وإنتقدت تصرّفات رئيس الحُكومة المُكلّف سعد الحريري، وطلب الرئيس مُناقشة الرسالة في الهيئة العامة للمجلس وفق الأصول، وإتخاذ الموقف أو الإجراء أو القرار المُناسب لمُعالجة الوضع. فما الذي سيَحصل في ضوء ذلك؟.

بداية، لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ رئيس الجمهوريّة إستخدم في هذه الحال البند العاشر من المادة 53 من الدُستور(1)، في خُطوة هي الثالثة من نوعها، حيث سبق للعماد عون أنّ وجّه في 31 تمّوز من العام 2019 رسالة طلب فيها من المجلس تفسير المادة 95 من الدُستور، ورسالة أخرى في 24 تشرين الثاني من العام 2020 طلب فيها من المجلس التعاون والضغط لإجراء التدقيق الجنائي. تذكير أنّه جرى التعامل مع الرسالة الأولى عبر التأجيل والمُماطلة إلى أن فقدت أهميّة مضمونها مع مرور الوقت، وجرى الإلتفاف على الرسالة الثانية عبر إتخاذ المجلس قرارات معنويّة شكليّة(2) لا قيمة تنفيذيّة لها، بحجّة أنّ المجلس لا يُمكنه إقرار قوانين ردًّا على رسالة من الرئيس.

واليوم، ومع الرسالة الثالثة من جانب رئيس البلاد، وبغضّ النظر عن مسألة قراءتها من عدمه، ومن مسألة فتح النقاش بشأنها على مداه أو إقتصاره على بعض الكلمات أو حتى تأجيله إلى تاريخ لاحق، الأكيد أن لا مفاعيل دُستوريّة مُلزمة للمجلس لهذه الرسالة. ومن المُتوقّع أن يقوم رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي من حيث الشكل بإمتصاص أي تداعيات سياسيّة وطائفيّة ومذهبيّة قد يُسبّبها أيّ جدل بشأن رسالة الرئيس، لكنّه من حيث المَضمون سيقوم بتفريغ الرسالة من مُحتواها، لجهة منع التمادي في الخلاف حولها، وإعتبار أن لا صلاحيّات للمجلس النيابي لتغيير أي تكليف دُستوري. وبالتالي هذا يعني عمليًّا الحؤول دون إتخاذ المجلس النيابي أي إجراء بشأن الرسالة–بغضّ النظر عن رأي أغلبيّة الكتل منها، ويعني أيضًا بقاء الأمور على حالها، أي بقاء تكليف رئيس “تيّار المُستقبل” لتشكيل الحُكومة، وبقاء الخلافات المُتراكمة!.

وليس بسرّ أنّ العلاقة الثنائيّة بين كلّ من “التيّار الوطني الحُرّ” و”تيّار المُستقبل” لم تكن جيّدة على الإطلاق في المرحلة الأخيرة، ومن المُتوقّع أن تزيد هذه الرسالة من حدّة الشرخ بينهما، حيث يُنتظر أن يتبادلا موجة جديدة من التصعيد. وبحسب المَعلومات المُتوفّرة، فإنّ “المُستقبل” سيردّ على رسالة الرئيس بهجوم مُضاد، سيتضمّن مُحاولة لتأمين حماية طائفيّة ومذهبيّة لرئيس الحُكومة المُكلّف، مع رفض أي مُحاولة لنزع التكليف من يد رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، إلا عبر القنوات الدُستوريّة والقانونيّة المَعروفة، والتي هي–بحسب “المُستقبل”، عدم منح حُكومته الثقة في المجلس بعد تشكيلها فقط لا غير! في المُقابل، إنّ “التيّار الوطني الحُرّ” الذي يعرف أنّ الكتل النيابية التي منحت الحريري صوتها خلال عمليّة تكليفه، لم تُغيّر رأيها حتى الساعة، يُحاول رمي مسؤوليّة التعطيل على “المُستقبل”، ويُحاول أيضًا أن يحصل على ضغط جَماعي من مُختلف القوى الداخليّة والخارجيّة على الحريري، لدفع هذا الأخير إلى تليين مواقفه، في حال لم يكن تنحّيه مُمكنًا.

ويُمكن القول إنّ ما يحدث حاليًا يُؤسّس لمعارك سياسيّة وإعلاميّة لاحقة بين “المُستقبل” و”التيّار”، قد تصل إلى حدّ مُحاولة الإقصاء والإلغاء المُتبادل، مع سعي من الطرفين لتأمين مظلّة حماية داخليّة، حيث يعمل “المُستقبل” على تفعيل علاقته مع كل من “حركة أمل” و”الحزب الإشتراكي” و”تيّار المردة”، إلخ. بينما يعمل “التيّار الوطني الحُرّ” على تفعيل علاقته مع “حزب الله” وكذلك مع كل خُصوم “المُستقبل”.

وفي الإنتظار، وفي خضم الصراع السياسي الذي لا يبدو أنّه سينتهي قريبًا، من الواضح أنّ اللبنانيّين قد تُركوا لمصيرهم، حيث تغيب المُعالجات الجديّة، في ظلّ مُماطلة وخفّة وعناد في التعاطي مع عمليّة تشكيل حكومة جديدة، في الوقت الذي بلغ فيه الشعب اللبناني وضعُا مأساويًا غير مَسبوق على مُختلف الصُعد!.

ناجي س. البستاني

(1)”يوجّه عندما تقتضي الضرورة رسائل إلى مجلس النواب”.
(2)وجب أن تخضع حسابات مصرف لبنان والوزارات والمصالح المُستقلّة والمجالس والصناديق والمؤسّسات العامة بالتوازي للتدقيق الجنائي من دون أي عائق أو تذرّع بسريّة مصرفيّة أو خلافه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.