الجديد: مَن يلعبُ معَ الناس لُعبةَ الموت؟

جاءت مقدمة نشرة الجديد على النحو التالي: وأمرُهم لم يكن شُورى بينَهم، بل ورقةُ جلبٍ واستدعاءٍ إلى بعبدا سيقَ فيها مجلسُ الشُّورى مخفوراً بقرارٍ لم يُبصرِ النور قَضى بردِّ الودائعِ بالعُملةِ الأجنبيةِ الى المودِعين بالعُملةِ نفسِها. وفي سابقٍة مِن نوعِها ارتكبَ فيها رئيسُ الجُمهورية جنايةً بحقِّ الدستور، افتَتح الرئيسُ ميشال عون في قصرِ بعبدا جناحاً جديداً لمحكمةِ الجُنَحِ القضائيةِ مُهمتُها فضُّ النزاعاتِ المالية، اِرتدى عون ثوبَ القاضي وجمعَ الضحيةَ والجلادَ على تسويةٍ ضَرَبت قراراً بتعميمِ صلاحياتٍ قضائيةٍ وسياسيةٍ في أنِ اختَصرَ مؤسسةَ مجلسِ الوزراء فاستبعدَ رئيسَ الحكومةِ حسان دياب عن أزْمةٍ هي مِن صُلبِ مَهامِّه واستعانَ بشهودِ “يهوا” القصرِ ليَحُلُّوا بمَنصِبَي وزيرَي العدلِ والمالِ في الاجتماعِ الثلاثيِّ الذي ضمَّ إليه رئيسَ مجلسِ الشُّورى وحاكمَ مصرِفِ لبنان. تمرّدَ رئيسُ الجُمهوريةِ على القراراتِ القضائيةِ، وعلى رؤوسِ الأشهاد رسّخَ مقولةْ “أنا الوالي وأنا القابضُ على مفاصلِ الدولة” ولو لم تَبقَ مؤسسةٌ على قيدِ السلطة. خطأُ الرئيسِ في الشكل يوازي خطيئةَ رئيسِ مجلسِ الشُّورى في المضمونِ الذي حضرَ إلى الاستجواب، وبحسَبِ مصادرَ قضائيةٍ فإنّ ما قام به رئيسُ الجُمهورية يُعَدُّ جُرمًا جزائيًا يحاسِبُ عليه القانونُ ولا يَحُقُّ لأيِّ مرجِعٍ سياسيٍّ الضغطُ على القاضي ليغيّرَ قرارَه. لقاءُ بعبدا الثلاثيُّ جعلَ من طرفَي النزاع: حاكميةِ مَصرِفِ لبنان ومجلسِ الشُّورى، أي المُدَّعي والمدَّعَى عليه، يَجلِسانِ إلى الطاولةِ نفسِها مِن دونِ أيِّ مُسوِّغٍ قانونيٍّ سِوى تسويةٍ توافقيةٍ انتَهت بختمٍ جُمهوريٍّ أبقى على تعميمِ مَصرِفِ لبنانَ ساريَ المفعولِ في مقابلِ وقفِ تنفيذِ قرارِ مجلسِ شُورى الدولة. هذا القرارُ ما كان ليتوقفَ لولا أنّ السلطةَ السياسيةَ والقضائيةَ ومعها الحاكمية استَشعرت ليلاً غلياناً شعبياً قارَبَ الغضبَ على العِشرين سنتاً الشهيرةِ التي أسّست للسابعَ عَشَرَ مِن تِشرين، لكنّ السلطةَ قادت مواطنيها اليومَ إلى “الشكرِ على النِّعَم” حيث وجد اللبنانيون أنّ عودةَ الـ٣٩٠٠ جاء بوقعِ النصر، فيما كان المودعونَ يقبِضونَ هذا الرقْمَ بواقعِ الخَسارةِ أربعَ مرّاتٍ عن سعرِ السوقِ السوداء. وسوّدَ الله وجوهَهم هُم مَن بيّضوها وقرّروا العودةَ إلى السعرِ الذي “يشفط” مِنَ المواطنينَ ثلاثةَ أرباعِ أموالِهم، انصاعت هيبةُ القضاء صاغرةً أمامَ هيبةِ الرئيس في عهدٍ أُصيبت فيه كلُّ مؤسساتِ الدولة “بفالج لا تعالج”. لكنْ مَن يلعبُ معَ الناس لُعبةَ الموت؟ فالعودةُ الى دولارِ الألفِ والخمسِمئةِ في المصارفِ ترافق والاستعدادَ لمواسمِ العَتَمةِ وإطفاءِ محرّكاتِ المعاملِ بعدما قرّر المركزيُّ عدمَ الاستمرارِ في نزفِ الدعم، فمَن يرمي الفتيلَ على من؟ وكيف أصبح حسان دياب رئيساً رشيداً لا يقرَبُ خُطةَ ترشيدِ الدعم؟ في تفسيرٍ للنائب جميل السيد أنّ هناكَ مَن يضعُ نُقطةَ بنزينٍ على النارِ وحجتُه أنّه لن يَمَسَّ السبعةَ عشَرَ مليارَ دولار. واللعِبُ بالنارِ مستمرّ اذ إننا اليومَ قادمونَ على أزْمةِ كهرَباءٍ وسَطَ طوابيرِ الذلِ أمامَ محطاتِ المحروقات مروراً بأزْمةِ الدواءِ والغذاءِ ورفعِ الدعمِ المقنع، وكلُّ هذه المصائبِ تسيرُ بالتوازي مع مرضِ تأليفِ الحكومةِ المستعصي على وزيرَين مسيحيين وعلى استخراجِ الحلولِ من عنُقِ التعطيلِ. أعادت بكركي تشغيلَ محرّكاتِها نحوَ طرح ِمبادرةٍ جديدةٍ مستخلصةٍ من روحِ مبادرةِ بري وتقضي بعقدِ اجتماعٍ ثلاثيٍّ يجمعُ رئيسَي الجمهوريةِ ومجلسِ النواب ميشال عون ونبيه بري ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، بحسَبِ ما قال المسؤولُ الإعلاميُّ في الصرح وليد غياض، وذلك بعد اتصالٍ جرى عبر الخطِ الساخنِ بين الصرح وعينِ التينة. اللقاءُ الثلاثيُّ المطروحُ تقدّم بورصةَ الحلول بعد حربِ البياناتِ الشعواء، وانضمت إليها اليومَ لَجنةُ الإعلامِ في التيارِ الوطنيّ الحر ببيانٍ دفاعي عن رئيس التيار جبران باسيل، ونسَبت إليه كلَّ محاولاتِ حلِّ أزْمةِ التأليف وأنه لم يترُكْ عُقدةً ولا حُجّةً إلا وفكّكها، لكنّ باسيل يطرحُ حلاً بيدٍ ويحمِلُ رايةَ التعطيلِ باليدِ الأخرى، وقد حفِظ اللبنانيون معاييرَه عن ظهر ِقلب. وبتجرِبةِ تسعةِ أشهرٍ من العجز عن التأليفِ سقَطت معها كلُّ الفرضياتِ بحكومةِ ربطِ نزاعٍ أو حكومةِ انتخاباتٍ، بعدما أُطيحت حكومةُ المَهمة، وبقرارٍ رئاسيٍ ممهورٍ بختمِ جبران: لا حكومةَ في المدى المنظور، ودُمتم سالمين حتى آخرِ العهد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.