هل يعيد جعجع تجربة عون مع عون؟

كان لافتاً في اليومين الماضيين، الكلام الصادر عن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لناحية تأييده وصول قائد الجيش العماد جوزاف عون الى رئاسة الجمهورية، او على الاقل عدم معارضة هذا الخيار. هذا الامر اثار ردود فعل متفاوتة نظراً الى اهميته من جهة، والى تبنّي القوات ترشيح النائب ميشال معوض من جهة ثانية، والى العلاقة المتذبذبة التي طالما ربطت القوات والجيش اللبناني من جهة ثالثة، اضافة الى التجربة السّيئة التي طبعت العلاقة بين جعجع والرئيس السابق ميشال عون خلال الفترة الماضية.

على الجبهة الأولى، من المهمّ الاشارة الى انّ الاستحقاق الرئاسي له اهميّته ولو أنّ النظام اللبناني لا يزال برلمانياً، ولكن المسألة تتعلق بالمركز الرسمي الاهم والاعلى لدى الطائفة المسيحيّة، وهو أمر اكثر من كافٍ لاعطائه اهميّة معيّنة يمكن البناء عليها بالنسبة الى المسيحيين في لبنان بشكل خاص. ويمكن النظر الى هذا الامر من منظار منافسة جعجع لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، لجهة اعتبار كل منهما نفسه ممراً الزامياً لاختيار الرئيس بعد ان فقد كل منهما حظوظه في الوصول الى قصر بعبدا، خصوصاً وانهما يملكان التمثيل المسيحي الاكبر، فيما رئيس تيار المردة سليمان فرنجية يعد حساباته لمعرفة حظوظه من جهة، وحزب الكتائب والاحزاب الاخرى تسعى جاهدة لزيادة تمثيلها الشعبي وبالتالي كسب نسبة اكبر من النفوذ او اسماع صوتها الى اصحاب الحل والربط بالمواضيع اللبنانية.

على الجبهة الثانية، بدا واضحاً ان تبني القوات ترشيح النائب معوض هو شكلي، لمعرفتها تمام المعرفة بأن خلافة معوض لميشال عون شبه مستحيلة، وشكّل النائب الشمالي ذريعة اساسية حملتها القوات للقول بأنها غير معرقلة للانتخابات، وبأنها تخلت عن بعض مطالبها وسارت بشخصية لا ترضيها، وكأنها ترغب في توجيه رسالة الى من يعنيه الامر بأنها قابلة للمفاوضات ويمكن الوصول معها الى خواتيم مشتركة قد ترضيها ومن يريد التفاوض معها.

على الجبهة الثالثة ليس سراً ان العلاقة لم تكن سليمة بين الجيش والقوات منذ تولي العماد ميشال عون قيادة الجيش وحتى اليوم. وبعد انتهاء الحرب، ومع طي صفحة الماضي، حاولت القوات تقديم نفسها بصورة جديدة، ونجحت بذلك في الشكل، ولكن في الواقع فإن القواتيين والجيش لا يزالان يلبسان القفازات حين يلتقيان، وتعود الذكريات السيئة اليهما عند اي مواجهة على الارض، ولعل الاشتباكات الاكثر حدة غالباً ما تكون بينهما. ولكن، من خلال هذا التأييد، قد يعطي جعجع الانطباع بأنه ينوي فتح صفحة جديدة مع الجيش علماً ان لا مشكلة تجمعه بالقائد الحالي، وعليه قد تكون فرص اقامة علاقة جديدة، قائمة.

اما في ما خص الجبهة الاخيرة، فهناك المشكلة والحسابات المعقدة. فلا شك ان العماد جوزاف عون سيضع تجربة ميشال عون امامه في العلاقة مع جعجع، مع كل ما حملته من مساوئ وويلات نقلتها من ضفة “اوعا خيّك” الى ضفة الاشتباك والحقد واعادت عقارب الساعة الى ابعد مما كانت عليه في السابق. هذه التجربة غير مشجعة بالنسبة الى العماد عون، لانه وعلى الرغم من كل ما يقال عن ان سبب تردي العلاقة وتدهورها مع عون الرئيس السابق، هو باسيل، فمن يمنع ظهور “باسيل” ما في العلاقة مع عون القائد الحالي للجيش؟ وهل سيتم استنساخ الخلاف في حال حصول اي تعقيد في العلاقة لاي سبب وبالاخص بنود اي تفاهم معلن او سري بينهما؟ وفي ميزان الربح والخسارة، هل سيفيد العماد عون من ضمان عداوة باسيل والتيار الوطني الحر له اذا ما كسب القوات اللبنانية الى جانبه، فيما هناك فرصة في تحديد “قواعد  المواجهة” بينه وبين باسيل؟.

كل هذه الاسئلة تبقى رهن موافقة الخارج على العماد عون اولاً، وعلى مدى تطور الاحداث التي من شأنها تقريب قائد الجيش من قصر بعبدا في السباق على الرئاسة اكثر من غيره، والمنظار الذي سيقارب به جوزف عون العلاقة مع سمير جعجع في المرحلتين الحالية والمستقبلية.

طوني خوري          

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.