بين خطة المعارضة “الباء” ومرشح التيار “الثالث”… هل يحصل “الخرق”؟!

يرى كثيرون أنّ الحداد على رئيس مجلس النواب الأسبق حسين الحسيني “أنقذ” البرلمان من “مهزلة جديدة” كانت جلسة انتخاب رئيس الجمهورية ستفضي إليها، باعتبار أنّ ظروفها لم تكن قد نضجت بعد، ما يعني أنّها في أحسن أحوالها، كان يمكن أن تشكّل “نسخة طبق الأصل” عن جلسات الموسم السابق، خصوصًا أنّ أحدًا لم يستغلّ “إجازة الأعياد” كما كان يفترض، من أجل إحداث “خرق ما” يغيّر شيئًا من الموازين والمعادلات.

مع ذلك، ثمّة من يتحدّث عن تغييرات قد تبرز في أفق الاستحقاق الرئاسي على أكثر من محور، في ضوء مشاورات تحصل داخل كلّ فريق على حدة، قد تتجلى بوضوح في الأيام القليلة المقبلة، فـ”التيار الوطني الحر” مثلاً يتمسّك بنظرية “المرشح الثالث” ضمن “مبادرة” يقال إنّ الوزير السابق جبران باسيل يعمل عليها، انطلاقًا من ورقة الأولويات الرئاسية التي سبق أن جال فيها على مختلف القوى السياسية المعنيّة واللاعبين الأساسيين على الخط الرئاسي.

وعلى خطّ قوى المعارضة، ثمّة حديث يتصاعد عن “استراتيجيات بديلة”، أو عن “خطة باء”، ولو نفى وجودها رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، بعدما كان نائب “القوات” ملحم رياشي أول من بادر إلى كشفها في العلن، وذلك بعدما استنفد ترشيح النائب ميشال معوض حظوظه، وتبيّن أنّ أقصى طموحاته الوصول إلى حاجز الخمسين صوتًا، علمًا أنّ الأخير أكّد بنفسه أنه جاهز ليخوض “معركة” أيّ مرشح آخر يمتلك حظوظًا أكثر منه.

وإذا كانت قنوات الحوار لا تزال مقفلة بالشمع الآخر، بعدما اصطدمت “وساطة” رئيس مجلس النواب نبيه بري بالاعتراضات والتحفظات، ثمّة علامات استفهام تُطرَح عن مدى “جدية” هذه المؤشرات، وما إذا كانت تعكس نيّة حقيقيّة وصافية في “تحريك” الاستحقاق الرئاسي من “جمود” لا يزال عالقًا فيه منذ العام الماضي، ولكن أيضًا ما إذا كان يمكن توقع “ترجمتها” على أرض الواقع، في المدى القريب، وربما في جلسة الخميس المقبل.

على خط المعارضة، كان لافتًا تراجع الحديث عن “الخطة باء” في اليومين الماضيين، مع عودة “حراك” النائب ميشال معوض على القوى الداعمة له، في محاولة لتأكيد أنه لا يزال “المرشح الجدّي المُعلَن” لأحزاب المعارضة، ولا سيما “الكتائب” و”القوات”، إضافة إلى “الحزب التقدمي الاشتراكي”، وهو ما تعمّدت “القوات” تسليط الضوء عليه، من خلال تأكيدها أنّ معوض هو مرشحها الفعلي، “ومن دون سقوف زمنية”، كما قالت في بيان لها.

لا يعني ذلك أنّ المعارضة لا تعتقد في قرارة نفسها أنّ خيار معوض قد استُنفِد، علمًا أنّ فكرة “الخطة باء” صدرت أصلاً عن داعمي معوض والمصوّتين له قبل غيرهم، خصوصًا أنّ النائب “المستقلّ” لم ينجح طيلة الفترة الماضي في “اجتذاب” المزيد من الأصوات المؤيدة له، ليس من المعسكر الآخر، بل حتى من معسكر المعارضة، في إشارة إلى النواب المستقلين و”التغييريين”، الذين خرجت منهم “أقلية” داعمة لمعوض، لا يُعتقَد أنّها ستتوسّع.

وانطلاقًا من ذلك، يرى كثيرون أنّ المعارضة مقتنعة بأنّ “الخطة باء” لا غنى عنها في نهاية المطاف، فمعوض غير قادر على تأمين 65 صوتًا، فكيف بالحريّ إذا كان المطلوب حضور ثلثي النصاب في جلسة انتخابه، إلا أنّها تصرّ على أنّ أيّ تغيير في الاستراتيجية اليوم ليس في مصلحتها، فالكرة الآن في ملعب “حزب الله” وحلفائه، ليعلنوا صراحة عن مرشحهم الرئاسيّ، وتأتي بالتالي أيّ “خطة باء” لتتكيّف مع أيّ واقع جديد من هذا النوع.

على خط “حزب الله” وحلفائه، لا يبدو أنّ أيّ تغيير قد حصل حتى الآن، رغم الحراك اللافت الذي يقوده “التيار الوطني الحر” منذ ما قبل الأعياد، والذي تجلى بلقاءات أجراها رئيسه الوزير السابق جبران باسيل مع خصومه قبل أصدقائه، إذ بدا أنّ الخلاف بين الأخير و”حزب الله” منذ جلسة الحكومة الأخيرة، يطغى على الخيارات الرئاسية، بل إنّ ما يُحكى عن توجّهات هذا أو ذاك، يأتي في سياق “تبادل الرسائل” بين الفريقين “بالبريد السريع”، إن جاز التعبير.

ومع أنّ اجتماعًا وُصِف بـ”المهمّ” عقده تكتل “لبنان القوي” الأسبوع الماضي، شكّل “نقطة البداية” للنقاش صراحةً بفكرة “المرشح الثالث”، وقد تسرّبت بعده العديد من الأسماء عبر الإعلام، ربما من باب “جسّ النبض”، فإنّ أوساطًا متابعة تؤكد أن كلّ شيء يبقى مرهونًا بمشاورات “التيار” مع حلفائه وأصدقائه، فهو لن يذهب لتبنّي أيّ ترشيح بمفرده، ومن دون أيّ دعم فعليّ، يجعله “ندًا” لمرشح المعارضة، وذلك تفاديًا لـ”حرقه”.

ورغم أنّ البحث بالأسماء قد بدأ فعليًا، ثمّة من يتحدّث عن مشكلة “حقيقية” داخل صفوف “التيار” تتمحور حول إمكانية أن يكون “المرشح الثالث” من أعضاء تكتل “لبنان القوي” أو القياديّين في “الوطني الحر”، في ظلّ وجود وجهة نظر تقوم على أنّ الأوْلى طرح أسماء من داخل “التيار” الذي يزخر بالكفاءات، طالما أنّ باسيل يعلن جهارًا أنّه ليس مرشحًا، وطالما أنّ بعض هؤلاء قد يملكون حظوظًا، وهو ما يرفضه باسيل، ولو أظهر “ليونة” إزاءه في الاجتماع الأخير.

لكن، بمعزل عن كل هذه النقاشات، وبغضّ النظر عن الأسماء التي تتسرّب، يعتقد متابعون أنّ حراك “التيار” ليس جدّيًا، ولا يهدف سوى إلى قطع الطريق على المرشحين المصنّفين “أوفر حظًا”، وعلى رأسهم قائد الجيش جوزف عون ورئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، إضافة إلى معوض، وبالتالي ملء الوقت الضائع، علمًا أنّ مرشح “التيار” الفعليّ برأي هؤلاء يبقى باسيل نفسه، ولو نفى ذلك في الوقت الحالي، في ظلّ إدراكه لـ”انعدام” حظوظه.

إزاء كلّ ما تقدّم، يتضّح أنّ الحركة على خطّ الملف الرئاسي، إن وُجِدت، فهي “بلا بركة”، فخطة المعارضة مؤجلة بانتظار مبادرة الموالاة، فيما الأخيرة منشغلة بخلافاتها وانقساماتها، وتفضّل تبادل الرسائل على إطلاق حوار مباشر وصريح، يمهّد لإقلاعها عن “سباق” الأوراق البيضاء والشعارات، لتوحي كلّ الأجواء أنّ الحلقة الأولى من الموسم الثاني من جلسات انتخاب الرئيس ستكون، على الأرجح، أكثر مللاً من سابقاتها!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.