“علّق” البحث بمصير التفاهم… هل تخلى “حزب الله” عن باسيل؟!

صحيح أنّ العلاقة بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” تمرّ بمرحلة “حرجة”، وفق توصيف الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، وذلك منذ أسابيع طويلة، لا منذ “مباركة” الأول لجلسات الحكومة في ظلّ الفراغ فحسب، ولكن منذ تيقّن الثاني بالخيار الرئاسي غير المعلَن للأول، إلا أنّها دخلت على ما يبدو في الأيام القليلة الماضية مرحلة “أكثر حرجًا”، حتى إنّ “الطلاق” بين الجانبين أضحى برأي كثيرين أمرًا واقعًا، ولو بقي من دون إعلان.

فقد بدأ الأسبوع على وقع هجوم وُصِف بـ”الناري” شنّه رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، وطالت سهامه السيد نصر الله شخصيًا، بعدما عمد على “تحييده” عن الخلافات طيلة المراحل الشخصية، وذلك على خلفيّة الخطاب الذي صوّب فيه الأخير بشدّة على الغرب، وفي مقدّمته الولايات المتحدة، فدعاه باسيل إلى “استعمال القوة” ضدّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أولاً، باعتبار أنّ “رياض أسهل”، وفق تعبيره.

وفيما لم يردّ “حزب الله” بشكل مباشر أو حتى غير مباشر على هجوم “حليفه” الذي “تفوّق على الخصوم”، برأي بعض الدائرين في فلكه، جاءت “المفاجأة” في نهاية الأسبوع، على لسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، الذي أعلن أن مستقبل التفاهم مع “التيار الوطني الحر” معلَّق إلى ما بعد مرحلة الانتخابات الرئاسية، على أنّ يُنظَر بعدها وربما في ضوء نتائجها، ما إذا كان سيوضَع على طاولة النقاش من جديد، أم أنه سيبقى “معلَّقًا”.

وبين تصعيد باسيل وردّ الحزب، يفتح كلام الشيخ نعيم قاسم، ولو حمل بين طيّاته بعض الرسائل “الودية”، كتأكيد “الرغبة” بالتفاهم مع “التيار” في الملف الرئاسي وغيره، الكثير من علامات الاستفهام، فهل هو تأكيد للطلاق بين الجانبين، تحت عنوان “التعليق” الذي يشبه “الانفصال” في العلاقات الزوجية؟ وهل يعلن “حزب الله” بذلك تخلّيه رسميًا بذلك عن باسيل، ما قد “يحرّره” في الآتي من الأيام من بعض القيود التي تكبّله في الملف الرئاسي خصوصًا؟!.

في المبدأ، توحي كلّ المؤشرات أنّ العلاقة بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” وصلت إلى طريق مسدود، أقلّه في المرحلة الحالية، فهجوم باسيل على السيد نصر الله، معطوفًا على إعلان الحزب “تعليق” النقاش بمستقبل التفاهم في الظرف الراهن، لا يعني عمليًا سوى أنّ “المحاولة الحوارية” التي بدأت قبل فترة بين الجانبين، وكان يفترض أن تستكمل خلف الكواليس، فشلت وبالتالي انتهت عمليًا، وأنّ الطرفين قرّرا “التباعد” حتى إشعار آخر.

بمعنى آخر، فإنّ “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” اتفقا على “الافتراق” على ما يبدو، في ضوء جملة من النقاط الخلافية التي عقّدت العلاقة المشتركة بينهما في الآونة الأخيرة، بدءًا من الملف الرئاسي، حيث بات واضحًا إصرار الحزب على دعم ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، وهو دعم يكاد يصبح علنيًا، رغم “الفيتو” الذي يشهره باسيل في وجه هذا الدعم، في كلّ المناسبات، والذي تجلّى في خطابه الأخير قبل أيام.

وإذا كان الملف الرئاسي هو “جوهر” الخلاف بين الجانبين، كما يؤكد كلّ المتابعين، إلا أنّ جلسات الحكومة لا تبدو جانبًا “تفصيليًا” في ظلّ هذا المشهد “المعقّد”، حيث يعتبر “التيار” أنّه تلقى “طعنة في الظهر” من جانب الحزب، الذي أعطى “الشرعية” لاجتماعات يقول باسيل إنّها “ساقطة دستوريًا”، وهو لا يقتنع بفكرة “البنود الملحّة والضرورية”، خصوصًا بعدما أصبحت الجلسات تتكرّر بوتيرة شبه دائمة، من دون أيّ حَرَج.

في المقابل، يدافع “حزب الله” عن موقفه، باعتبار أنه وضع “مصلحة الناس” في أولوية أولوياته، بمعزل عن الخلافات السياسية، لكنّه يتحفّظ في المقابل على أداء “التيار” الذي يبدو في بعض جوانبه “انتقاميًا”، وآخرها تطييره الجلسة التشريعية التي كان يفترض أن تؤدي إلى التمديد للمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، رغم أنه لم يكن معارضًا لالتئامها في المبدأ، وكأنّه أراد توجيه رسالة قوامها “البرلمان مقابل الحكومة”.

وإذا كان “حزب الله” مرّ في السابق بمطبّات من هذا النوع مع “التيار”، واستطاع تجاوزها بالرجوع إلى التفاهم، فإنّ ما يجعل الأمر أكثر تعقيدًا هذه المرّة، يكمن في أنّ باسيل تجاوز ما توصَف بـ”الخطوط الحمراء”، حين هاجم الأمين العام للحزب مباشرة في خطابه الأخير، كما لم يفعل خصوم الحزب التاريخيون، وهو ما “صدم” قيادة “حزب الله” التي لا يمكنها التغاضي عن الأمر، كما تتجاهل مثلاً هجوم جمهور “التيار” المتكرّر عليها.

وصلت العلاقة إلى طريق مسدود إذًا، لكنّ “الطلاق” لم يُعلَن واستُبدِل بـ”تعليق البحث” بمستقبل التفاهم، لكن ما الذي يعنيه مثل هذا “التعليق” المفتوح إلى ما بعد انتخاب رئيس للجمهورية؟ كيف يتلقّفه “التيار” أصلاً، وهو الذي كان يسعى لـ”تقريشه” في الانتخابات الرئاسية تحديدًا، إن جاز التعبير؟ وهل سيقبل بطيّ الصفحة بعد إنجاز الاستحقاق، بمعزل عن النتيجة، أم أنّه سيعتبر أنّ “المصلحة انتفت”، وأنّ التفاهم “ذهب مع الريح”؟!.

يبدو الخيار الأخير هو الأرجح، وفق المطّلعين ولو أنّ كلّ شيء يبقى واردًا في السياسة، وفقًا للمتغيّرات التي لا يمكن لأحد أن يتكهّن بها، إلا أنّ “التيار” لا يبدو راضيًا بالمطلق على المواقف الأخيرة للحزب، وتحديدًا ما ورد على لسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، فهو إلى جانب إعلانه “تعليق النقاش”، قفز بصورة أو بأخرى فوق معادلة الحزب السابقة، القائمة على اعتبار باسيل “ممرًا إلزاميًا” في انتخابات الرئاسة.

صحيح أنّ الشيخ قاسم تحدّث عن “رغبة أكيدة” لدى الحزب بالتفاهم مع “التيار” في الشأن الرئاسي، إلا أنّه قبل ذلك اعتبر أنّ “الممرّ الأساس” لانتخاب الرئيس هو مواصفاته وقدرته على التحاور مع الجميع وعدم رفعه سقف التحدّي وغير ذلك، ما يعني أنّ “موافقة” باسيل لم تعد “شرطًا” في معادلة “الحزب”، وأنّه لم يعد “يراهن” على “إقناع” باسيل بخياره، كما كان يردّد في السابق، وهو ما لم يُرِح أوساط “التيار”.

يعتبر “العونيون” أنّ مضيّ الحزب في هذه السياسة، التي ترقى لمستوى محاولة “فرض رئيس”، بمعزل عن موقف القوى المسيحية، وتحديدًا “التيار الوطني الحر”، ومعه “القوات اللبنانية” بطبيعة الحال، يضرب التفاهم بالعمق، بل يفرغه من مضمونه، ما يعني أنّ أيّ حوار بعد الانتخابات، سواء أتت نتائجها لصالح الحزب أم لا، يصبح عديم الفائدة، علمًا أنّ شكوكًا جدية تطرح داخل “التيار” عن المصلحة من التفاهم بعد الآن.

يستغرب “حزب الله” الحديث عن “انعدام المصلحة”، وهو الذي قدّم أقصى ما يستطيع لـ”التيار” و”العهد”، فيما يقول “التيار” إنّه قدّم ما هو أكثر، حين وفّر “الغطاء”، ليتعرّض في النهاية لما يشبه “الانقلاب”. ومع أنّ كثيرين يعتقدون أنّ “الحزب” و”التيار” سيعودان للتفاهم عاجلاً أم آجلاً، لأنّ المصلحة ببقائه تبقى أكبر، فإنّ هناك من يرى أنّ المحظور قد وقع، وأنّ العلاقة لا يمكن أن تعود لسابق عهدها، حتى لو “تقاطعت” المصالح من جديد!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.