مرشّحون من دون برامج… حتماً دولة جائزة ترضية

لم يتخيّل لبنان، هذا الوطن المفكّك المُهمَل على شاطئ المتوسط، انه سيكون يوماً ضحيّة جلّاديه… قادتِه الشرعيين! ولم يكن يتصوّر انه سيكون الواحة غيرَ الآمنة لأبنائه المنتشرين، الذين فقدوا ثقتهم به حتى النسيان. هم ذاتهم، بالأمس القريب وقفوا امام سور الأمم المتحدة، مطالبين بالتحرّر وانسحاب الجيش السوري من لبنان، وهم نفسهم الذين هرولوا الى الوطن يوم انتهت الحرب وعمّ الازدهار، فنقلوا “القروش” التي جمعوها الى لبنان حيث “مرقد العنزة” الأخير، لكنها سُرقت بفعل ضمير غير مستتر، وسط قضاء موظّف عند هذا وذاك، ودولة مفكّكة منهارة مالياً وقيادياً.

أمام مشهد انتخابي “ساخر” لرئيس للجمهورية، لم يسمع هاتف “الجريدة” سوى كلمات التأنيب على لبنان، الوطن الذي عشقوه بالأمس، ولكنه أصبح ورقة خاسرة في روزمانة حياتهم، فوصفوه بالبلد “اللي ما منّو رجا”، وأن لا أمل بإعادة بنائه بعد هذا الانهيار الاقتصادي.

من أين للمهاجرين اللبنانيين أن يستمدّوا الثقة بوطنهم، وهم يشاهدون يومياً الرحلات المكّوكية لزعماء لبنان، الذين ينتظرون أوامر السلاطين الدوليّة الحديثة، ويبحثون في آخر سلّة السياسة الدولية عن رئيس يرضي خاطِر الدول المؤثرة! أجمع المهاجرون، الذين تحدَّثَتْ اليهم “الجريدة”، على نبذِ كل من مرّ في المشهد السياسي اللبناني منذ ثلاثين عاماً، قائلين: “كفانا كذباً ووعودًا بالإصلاح والبناء… لم تُصلحوا إلا حساباتكم المصرفيّة على حساب مدّخراتنا وودائع الناس”. ويصرخ المغتربون اليوم، من على صفحات “الجريدة”، في وجه مسرحيات التحالف الرئاسية، التي لا تصبّ الا في صندوق “النكايات” والبرامج الإقليميّة التي دمّرت وحدة البلد، ولم يعد فيه شريان حيّ في الجسم الاقتصادي المنازع. ولن تنتهي هذه المسرحية الا بانتخاب رئيس أقدر ما يمكن أن يفعله هو “شحادة” السيادة والكرامة والمال من مزاريب الدول المانحة.

أبرز ما جاء في نتائج الاستطلاع التي حصلت عليه “الجريدة” بين كندا والولايات المتحدة، هو السؤال عن البرامج الاقتصاديّة للمرشحين. فتساءلت الأغلبية: “ألم يحِن الوقت لنصبح دولة عصريّة، يتبارى فيها المرشحون بعضهم امام بعض، عارضين برامجهم، مناقشين خبراءَ السياسة والمال كيفيةَ الخروج من الأزمة بأقل الخسائر”؟.

وتساءل الخبير المالي الكبير إيلي عازار في ولاية نيو جرسي الأميركية: هل هناك من خرج بمشروع إصلاحي منذ يوم النكبة الماليّة في خريف 2019؟ “لم نسمع عن برنامج إصلاحي واحد. البلد اللي عايش عا الشحادِي فوق الدّيْن العام، هو أمر كارثي. بلد لا أمل له إلا بتغيير نظامه وكل أدوات السياسة التي حكمته وأوصلته الى حاله اليوم. سيبقى الوضع كما هو، لا يمكن لأي رئيس ان يغيّر شيئاً في ظل هذه التركيبة السياسية والنظام الطائفي، الوضع المالي سيّء للغاية، واللبناني يجهل هذا الأمر وما زال يصفق بغباء لزعيمه”.

الدكتور فرحات (طبّ طوارئ) من نيويورك أرسل عبر “الجريدة” خطة يراها منطقية في زمن صراع ” المحاور الدوليّة” اليوم. فقال: ثلاث سنوات لسليمان فرنجية وثلاث أخرى لجهاد أزعور، قبل ان يتم انتخاب رئيس للبلاد عبر آلية التصويت من الشعب. اما عن مواصفات الرئيس، فيبدو ان الطبيب اللبناني قد استنجد بمواصفات رئيس من مدينة أفلاطون الفاضلة، حيث لا فساد ولا كذب، وحيث الكفاءة والسعادة والعدل والمساواة. من أين للبنان كل هذا وهو المشهور عالمياً بسجنه لأناس فاقت إقامتهم في “رومية” أكثر من عشر سنوات من دون محاكمات او أحكام، أسوة بالأنظمة الدكتاتوريّة التي ترفض الحكومات اللبنانية التشبّه بها. ولكنها فعلياً أسوأ منها.

اما الصحافيات اللبنانيّات في كندا، فكانت لهنّ نظرة عاطفية للبنان. جاكلين جابر أرادت ان تصف الصورة الحقيقيّة للبنانيين المنتشرين، فقالت: “نحنا مش دجاجة بيّاضة، نحن لا نقطف المال عن الأشجار، الحياة صعبة في الخارج. أنا أريد وطناً آمناً لأولادي كي يعودوا ويكبروا فيه. أتمنى ان تتغيّر طريقة حياة اللبناني الفارغة من القيَم، حتى يعود الى أصالته ويبني وطناً قوياً حراً”. من جهتها الصحافية دارين حوماني فهي تتطلع الى “رئيسٍ مثقّف، جامع لكل اللبنانيين، له تاريخ نظيف، يحمل برنامجاً اقتصادياً وفكراً إصلاحياً، ويتمتع بعلاقات دوليّة واسعة لبنان بأمسّ الحاجة اليها في هذه الظروف الصعبة”.

السيدة لورا عنيد حمزو والسيد مارون عون في أوتاوا تمنيا وصول الوزير السابق جبران باسيل الى الكرسي الرئاسي في بعبدا، فأكدا ان إنجازات الوزير السابقة تخوّله ان يكون رئيساً للبلاد، لأنه الوزير الوحيد الذي زار المغتربين وجمعهم في مؤتمرات اغترابيّة كانوا يتوقون اليها منذ زمن.

أجمع اللبنانيون، الذين حاورتهم “الجريدة” بين مختلف ولايات اميركا وكندا، على ضرورة مواجهة المرشّح الرئاسي للبنانيين عبر برنامج تلفزيوني يشرح فيه كيفيّة خروج لبنان من الأزمة الخانقة، “كفانا نكون كالغنم وما نعرف شو جايينا رئيس”. وتمنى اللبنانيّون أن يصوّتوا بأنفسهم من الداخل ومن الخارج لرئيسهم الجديد، لأنّهم لا يثقون بنوابهم المنتخبين حسب قانون طائفي وضعوه كي يحافظوا على مقاعدهم في البرلمان. كذلك تمنّى المغتربون ان يصبح لبنان دولة علمانيّة تعتمد الكفاءة في الوظائف والمناصب؛ فهو الحلّ الوحيد لبناء دولةٍ تواجه التحديات الدوليّة من مناخيّة واجتماعيّة واقتصاديّة.

رئيس قوي، قضاء نزيه مستقل، نظام جديد وانتقال فوري الى الجمهورية الرابعة، لأنّ العهود الرئاسيّة ما بعد “اتفاق الطائف” أثبتتْ فشلها بسبب السرقة والهدر والفساد وعدم المحاسبة. ولم ينسَ اللبنانيون شهداء مرفأ بيروت، فأجمعوا بقوة على كشف ملابسات هذا التفجير الإرهابي الذي تختبئ الحكومة اللبنانية تحت رداءة غباره حتى اليوم. وإلا  سيبقى هذا الوطن رهينة طمع ملوك طوائفه حتى التفكك الأخير، فيأتي مستعمر جديد تفرضه الأمم المتحدة بسبب عدم قدرة أبنائه على قيادته. إنها الفرصة الأخيرة للبنانيين، فليأتوا برئيس من مواصفات وضعها المفكّر السياسي جمال الدين الأفغاني الذي قال: لا يصلح الشرق إلا مستبدّ عادل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.