جبهة الجنوب ومستقبلها إلى ما بعد حرب غزة… تل أبيب تمهد الأرضية لذلك؟!

طُرحت في الأسابيع الماضية السيناريوهات حول مستقبل الأوضاع في الجبهة الجنوبية، خصوصاً من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي ترافقت مع تهديدات أطلقها مسؤولون إسرائيليون حول تواجد “حزب الله” على الحدود، نتيجة المخاوف التي يعبر عنها سكان المستوطنات الشماليّة، الأمر الذي بات يمثل معضلة أساسية بالنسبة إلى القيادتين السياسية والعسكرية في تل أبيب.

في هذا السياق، تعمّد الجانب الإسرائيلي، في الأيام الماضية، تسريب معلومات عن مخطط نحو إقامة منطقة عازلة على الحدود مع لبنان، بالتزامن مع حديث لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو عن مخطط مشابه على مستوى قطاع غزة، على قاعدة أن هذا الهدف الذي يسعى إليه، سواء كان ذلك عن طريق المفاوضات أو عبر عمليّة عسكرية.

على الرغم من ذلك، تشير مصادر متابعة، عبر “الجريدة”، إلى أن هذا الموضوع، بالنسبة إلى الجبهة الجنوبيّة غير مطروح، في الوقت الراهن على الأقل، نظراً إلى أنه لا يحظى بأيّ غطاء دولي، حيث أنّ كل المساعي تصبّ في إطار منع توسع رقعة العمليات العسكرية أكثر، بالتزامن مع الرغبة في العودة إلى قواعد الإشتباك التي كانت سارية في الماضي، أيّ قبل حصول عمليّة “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول.

بالنسبة إلى هذه المصادر، أي بحث في مستقبل الجبهة الجنوبية، على قاعدة ترتيب الأوضاع فيها، لا يمكن أن يتم قبل نهاية الحرب في غزّة لعدة أسباب، منها أن هذه الجبهة فتحت في الأصل نتيجة الحرب في القطاع، وبالتالي الأوضاع فيها ستعود إلى الهدوء بمجرد الوصول إلى إتفاق لوقف إطلاق النار، وهو ما حصل عملياً خلال فترة الهدنة الإنسانية التي تم التوصل إليها في السابق، بالإضافة إلى أن التركيز الإسرائيلي اليوم هو على الواقع في فلسطين المحتلة.

في هذا الإطار، تلفت المصادر نفسها إلى أنّ المعضلة الحقيقية لتل أبيب هي في جبهة غزة، نظراً إلى أنها هي التي كسرت صورتها الردعيّة، مع ما يعنيه ذلك من تداعيات وقعت على نظرة المستوطنين إلى مستقبلهم، وبالتالي إستعادة هذه الصورة لا يمكن أن تتم في جبهة أخرى، أما بالنسبة إلى جنوب لبنان فإنّ ما يعنيها العودة إلى توازن الردع، الذي كان قائماً مع “حزب الله” منذ نهاية حرب تموز من العام 2006.

العودة إلى توازن الردع المذكور، من الممكن أن تكون عبر عمليّة عسكرية أو إتفاق دبلوماسي، بحسب ما تروج تل أبيب في المرحلة الحالية، الأمر الذي يعني أن مخاطر الذهاب إلى الحرب الشاملة تبقى قائمة، لكن ذلك من غير المرجّح أيضاً أن يكون قبل وضوح الصورة في غزّة.

من وجهة نظر المصادر المتابعة، إسرائيل من الناحية العملية غير قادرة، في ظلّ الظروف الراهنة، على الذهاب إلى أيّ عملية عسكرية من هذا النوع، لا سيما أنّها تدرك أنّ المواجهة مع “حزب الله” ستكون أصعب من تلك القائمة مع “حماس”، كما أنّها من جهة ثانية لا يمكن أن تحظى بالدعم الدولي الذي حظيت فيه في الحرب على غزة، خصوصاً في الأيام الأولى من العدوان، من دون تجاهل أنّها حتى الآن لم تنجح في تحقيق أيّ من الأهداف التي كانت قد أعلنت عنها.

من هنا، تعتبر هذه المصادر أنّ تل أبيب، سواء كان ذلك من خلال تصعيدها السياسي أو العسكري، تريد أن تمهّد الأرضيّة لموعد البحث في ترتيب الأوضاع على الجبهة الجنوبيّة، حيث من المفترض أن يفتح نقاش جدّي من قبلها حول مستقبل هذه الجبهة، نظراً إلى أنها بحاجة إلى معالجة المخاوف التي برزت لدى سكان المستوطنات الشماليّة، لكن في المقابل تحقيق هذا الهدف لا يمكن أن يتمّ من دون ثمن مقابل عليها أن تدفعه، لا سيما أنها ليست في موقع المنتصر القادر على فرض إرادته.

في المحصّلة، تؤكّد المصادر نفسها أنّ كل ما يطرح، في الوقت الحالي، من سيناريوهات لا يمكن الجزم به منذ الآن، على إعتبار أن مسار الحرب في غزّة سيكون عاملاً حاسماً في أي نقاش يتناول الأوضاع في أي جبهة، خصوصاً أنه على الأرجح سيؤثر على مستقبل القيادتين السياسية والعسكرية في تل أبيب، من دون أن يلغي ذلك معادلة أن فرضيّة التصعيد الكبير على الجبهة الجنوبية لا تزال قائمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.