لبنان وشهادة الناصريّ

ذاتَ سَبتٍ، صَرَخَ بِهِمِ، وَسْطِ مَجْمَعِهِمِ، بَيتِهِمِ المُقَدَّسِ، في الناصِرَةِ، بِنتَ جَليلِ الأُممِ الفينيقيِّ-الًلبنانيِّ، “وَطَنه” (مَرقُسُ 6/1): “كانَ في إسرائِيلَ كَثيرٌ مِنَ الأرامِلِ في أيَّامِ إيليَّا، حينَ إحتَبَسَتِ السَماءُ…، فأصابَتِ الأرضَ كُلَّها مَجاعَةٌ شَديدَةٌ، وَلَم يُرسَل إيليَّا إلى واحِدَةٍ مَنهُنَّ، وإنَّما أُرسِلَ إلى أرمَلَةٍ في صِرْفَتْ صَيدا… فَثارَ ثائِرُ جَميعِ الَذينَ في الـمَجْمَع ِعِندَ سَماعِهِمِ هَذا الكَلامَ. فَقاموا… وَساقوهُ إلى حَرْفِ الـجَبَلِ الذي كانَت مَدينَتُهُمُ مَبنِيَةُ عَلَيهِ ليُلقوهُ عَنهُ” (لوقا 4/25-29).

صِرْفَت صَيدا. .Zarephath تِلكَ التي مِن أعمالِ صَيدونَ-صَيدا، “الضَيعَةُ الطَويلَةُ” ماكرا كومي، Makra komi  لأنَّ بُيوتَها إمتِدِّت إلى الشاطِئ، القائِمَةُ على تَلَّةٍ قُربَ البَحرِ شَمالِ صورَ.

قَصَدَها إيليَّا النَبيُّ، بِناءً لِأمْرِ اللهِ الآبِ: “قُمْ وhمضِ إلى صِرْفَت التي لِصَيدونَ، وأقِمْ هُناكَ.” (سِفْرُ المُلوكِ الأوَّلِ 17/9). وَفيها، أرمَلَةٌ تَحَنَّنَت عَلَيهِ بأقَلَّ مِن كَسْرَةِ خُبزٍ: مِلءَ كَفٍّ مِن الدَقيقِ في الكُوَّارِ، وَنِقاطَ زَيتٍ في الكوزِ، حَرَمَتهُما عَنها وَعَن إبنِها الوَحيدِ” فَرَدَّ لَها إيليَّا بِوَعدِ الآبِ: “إنَّ جَرَّةَ الدَقيقِ لا تَفْرَغْ وَقارورَة الزَيتِ لا تَنقَصْ” وإذ مَرِضَ إبنُها “وَكانَ مَرَضُهُ شَديداً جِدَّاً حَتَّى لَمْ يَبْقَ فيهِ روحٌ” قالَت لَهُ المِرأةُ: “ما لي وَلَكَ يا رَجُلَ اللهِ؟ أتَيتَ إلَيَّ لِتُذَكِّرَ بِذَنبيَ” فَتَضَرَّعَ إيليَّا الى اللهِ: “أيُّها الرَبُّ إلَهيَ، أَإِلى الأرمَلَةِ التي أنا نازِلٌ عِندَها… تُميتُ إبنَها”؟ وَسَمِعَ الآبُ التَفَجُّعَ، “وَعادَ الإبنُ الوَحيدُ إلى الحَياةِ” (سِفْرُ المُلوكِ الأوَّلِ 17/22).

مَن كانَتْ سَتَموتُ وإبنُها مِنَ الجوعِ، وَسْطَ ضائِقَةِ الأرْضِ، كانَت أكثَرَ سَخاءً مِنَ اللهِ. قَدَّمَتِ النَذْرَ الْعِندَها. فَفاضَ الخِيرُ في بَيتِها. وإذ ماتَ إبنُها، بادَلَها الآبُ بالحَياةِ. فَنالَت مُعجِزَةً ما نالَها مَنْ إدَّعى أنَّهُمُ “شَعبُ اللهِ”.

وَسْطَ مَجْمَعِهِمِ، ذاتَ سَبْتٍ، كَرَّمَ صِرْفَت صَيدا وَكَرَّمَ أرمَلَتَها.

لِأجْلِها. لِأجْلِ لُبنانِها هَذا، سَيَشْهَدُ بإسْمِها وإسْمِ وَطَنِها الذي سَيَعْبُرهُ في مَسيرَتِهِ الى صورَ وَصَيدا وَنواحِيهِما، صَوبَ تَجَلِّيهِ على قِمَّةِ حَرَمونِنا. وَسَيَقرأُ العِبارَةَ الْحُفِرَت على صَخرَتِها: “إلى الِإلَهِ القُدّوسِ في صِرُفَتِ”.

هو، الإبنُ الوَحيدُ لِلآبِ، لَمْ يُرسَل لِيَحمِلَ المَوتَ بَلِ الحَياةَ. إبنُ الأرمَلَةِ الُلبنانِيَّةِ الوَحيدُ، إستِباقُهُ: صورَتُهُ وَمِثالُهُ. وَصِرْفَت صَيدا الُلبنانِيَّةُ: إستِباقُ قَبرِهِ الفارِغِ، صورَةُ قيامَتِهِ وَمِثالُها.

صَوغُ السِرِّ

مِن دونِ لبنانَ، لا تَفْتَحُ المَعرِفَةُ أبوابَ الإيمانِ وَلا الإيمانُ أبوابَ المَعرِفَةِ، مَهما تَعالَت مَخاضِعُ الخَياراتِ وَتَهافَتَت على المُتَّخِذي الهَوانَ ذَرائِعُ او الإضْطِهادَ نوَبُ.

مِن دونِ لبنانَ لا حِواضِرَ يَخضَعُ لَها العَقلُ، مَهما إستَنْفَدَ أسراراً.

مِن دونِ لبنانَ، سِرُّ اللهِ يَبقى ناقِصاً. وَمِن دونِ اللهِ، سِرُّ لبنانَ يَبقى ناقِصاً. كُلُّ أحَدٍ مِنهُما يأتي مِن صَوغِ سِرِّ ألآخَرِ قُبالَتَهُ وَيَحيا بِهِ، بِمُقاوَمَةٍ طالِعَةٍ مِنَ الأنينِ. بإلْحاحٍ لا تَرَدُّدَ فيهِ… وَلا مُساوَمَةً.

والإلْحاحُ ذُروَةُ بُلوغِ السِرِّ.

وَمَن نُفوسُهُمُ أقْبَلَت بِكِبرِياءِ الظُلُماتِ فأظْلَمَت، لا سِرَّ يَبْلُغُونِهُ، وإنْ تَحَلَّقوا حُظوَةً في مَجامِعَ المَقدِسِ. ها هُمُ إزدَروهُ: “ألَيسَ هذا النَجَّارُ؟” وَقَصَدوا دَحْرَهُ، إقصاءَهُ، قَتْلَهُ (مَرقُسُ 6/3).

بَلى! هو النَجَّارُ. يَداهُ ألِفَتْ خَشَبَ الأرزِ صِنْوَهُ ألْمِن لبنانَ. مِنهُ يَصنَعُ مَذبَحَهُ، وَهو عَلَيهِ الذَبيحُ.

 جَهيراً هو بِلبنانَ. بِلُبْنانِيَّتِهِ.

ذاكَ السَبْتَ، وَسْطَ بَيْتِهِمِ المُقَدَّسِ، مَجْمَعِهِمِ، ها هي شَهادَةُ يَسوعَ الناصِرِيَّ لِلُبْنانِيَّتِهِ. لِلبنانَ.

د. ناجي م. قزيلي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.