إسرائيل “تصعّد” الاغتيالات… هل يعلنها “حزب الله” حربًا؟!

ليس جديدًا القول إنّ طبول الحرب الإقليمية الشاملة تُقرَع في المنطقة بأسرها، ولبنان من ضمنها، بل في مقدّمها، وهو المنخرط أصلاً في حرب “موازية” على حدوده الجنوبية منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، أي بعد يوم واحد من اندلاع الحرب الإسرائيلية المفتوحة على قطاع غزة، وهي حرب يقول المعنيّ الأول بها، أي “حزب الله”، إنّها تأتي تضامنًا مع الشعب الفلسطيني المضطهَد، ودفاعًا عن السيادة اللبنانية المنتهَكة.

لكنّ الجديد أنّ طبول الحرب هذه التي تُقرَع منذ أسابيع طويلة تكاد تصل إلى “الذروة”، في ضوء التصعيد الإسرائيلي “العابِر” للدول والمناطق، وخصوصًا على وقع الاغتيالات المتسلسلة في لبنان وسوريا، لعدد من القادة المحسوبين لا على حركة “حماس” فحسب، ولا حتى على “حزب الله”، ولكن أيضًا على الحرس الثوري الإيراني بشكل مباشر، كما حصل في الضربة الإسرائيلية الأخيرة في منطقة المزة بسوريا.

ولعلّ تزامن ضربة المزة، مع هجوم إسرائيلي على بلدة البازورية الواقعة شرق مدينة صور، في أول استهداف من نوعه منذ بدء المعارك في جنوب لبنان قبل أكثر من مئة يوم، بل منذ حرب تموز 2006، عزّز من الأجواء “الحربيّة”، ولو وُضِع في خانة “الاغتيالات” التي تواصل إسرائيل انتهاجها، والتي لم تخرج سابقًا فقط عن الدائرة الضيقة للعمليات العسكرية على الحدود الجنوبية، بل وصلت إلى “عمق” الضاحية الجنوبية لبيروت.

ولأنّ التصعيد الإسرائيلي يأتي أيضًا في خضمّ “حرب نفسية” متصاعدة بين “حزب الله” وإسرائيل، جعلت الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله يطلق في أحد خطاباته الأخيرة معادلة “يا هلا ومرحب” خلال حديثه عن الحرب التي يلوّح بها الجانب الإسرائيلي، يصبح السؤال مشروعًا، فهل “يُستدرَج” الحزب ويعلنها “حربًا”، متحرّرًا من كل الضوابط والحسابات التي تحكم أداءه اليوم؟ وهل يريد الطرفان فعلاً مثل هذه الحرب؟!.

في المبدأ، يقول العارفون إنّ التصعيد الإسرائيلي الذي لم يكتفِ بخرق القرار 1701، الذي يطالب المجتمع الدولي للمفارقة لبنان بتطبيقه، بل كسر الكثير من الخطوط الحمراء التي كانت مرسومة، يجب أن يوضَع في سياق أعمّ، يشمل كلّ ما يحدث في المنطقة، حيث تجد تل أبيب، ومن خلفها واشنطن التي تدعمها، نفسها في قلب “مواجهة غير محدودة”، تمتدّ من غزة ولبنان، إلى سوريا والعراق، وبالتوازي مع كلّ ذلك، اليمن والبحر الأحمر.

وإذا كان هجوما المزة بسوريا والبازورية بلبنان “الأحدث” في مسار التصعيد الإسرائيلي، فإنّهما وفق كثيرين، ليسا “الأخطر”، على الرغم من أنّهما شكّلا “ضربة قاسية” للمحور الإيراني، خصوصًا مع سقوط خمسة عناصر من الحرس الثوري دفعة واحدة، علمًا أنّهما يأتيان أيضًا بعد سلسلة اغتيالات لكل من الحرس الثوري و”حزب الله”، تنقّلت في الآونة الأخيرة، ما بين الأراضي السورية، واللبنانية، خارج نطاق الاشتباكات الدائرة.

يضع العارفون هذه الاغتيالات المتسلسلة في أكثر من خانة، تتقاطع بمجملها على توجيه “رسائل” من جانب إسرائيل إلى “حزب الله” وإيران، وإن انطلقت في مكانٍ ما، من محاولة تعويض “الإخفاق الواضح” في غزة، حيث يبدو واضحًا أنّ الجانب الإسرائيلي عجز بعد أكثر من مئة يوم على بدء حربه، عن تحقيق أيّ من أهدافها المُعلَنة، لدرجة بات يبدو معها أنّ “بنك أهدافه” من الحرب ليس سوى المدنيّين، وتحديدًا النساء والأطفال.

وإذا كان الإسرائيلي لجأ إلى الاغتيالات للتعويض عن الفشل في غزة، فإنّه يسعى من خلالها وفق العارفين، إلى “ردع” الفريق المحسوب على إيران، حيث يؤكد له أنّه “مُخترَق” بشكل أو بآخر، بدليل أنّ الضربات الإسرائيلية تستهدف القادة بصورة مباشرة، ما يعني أنّ تحرّكاتهم “مُراقَبة” إلى حدّ بعيد، وبالتالي فالمطلوب من هذا الفريق، الذي كان المُبادِر إلى رفع شعار “وحدة الساحات”، أن يعيد النظر في تكتيكاته، ويدرس حساباته جيّدًا.

صحيح أن الضربات الإسرائيلية المتسلسلة تعني في مكانٍ ما أنّ تحرّكات المحور المحسوب على إيران “تركت أثرًا مباشرًا” في مجريات المعارك، ومنعت الإسرائيلي على الأقلّ من “الاستفراد” بغزة، إن جاز التعبير، ولكنّها وضعت هذا المحور في موقف يمكن أن يوصَف بـ”المحرج”، ولا سيما أنّ ردوده “الموضعية” حتى الآن، لم ترتقِ لمستوى “الفعل الإسرائيلي”، ما يطرح علامات استفهام عمّا إذا كانت الحرب قد أصبحت حتميّة.

حتى الآن، يقول العارفون، لا يزال مثل هذا السيناريو غير مؤكّد، ولو كان مطروحًا، علمًا أنّ المحسوبين على محور المقاومة يعتبرون أنّ الإسرائيلي لا يريد الحرب الشاملة، بل يخشاها، وكلّ العمليات التي يقوم بها هي لمنع الحرب وليس لاستدراجها، لأنّه يعرف أنّ ما ينتظره فيها قد لا يُقارَن بما واجهه حتى الآن في غزة، علمًا أنّ رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد كان واضحًا بقوله قبل أيام، إن إسرائيل “غير جاهزة” للحرب.

صحيح أنّ وجهة النظر هذه لا تتطابق، من حيث الشكل على الأقلّ، مع مجريات الميدان، حيث يتراءى لكثيرين أنّ القادة الإسرائيليين، وفي مقدّمهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، دخلوا في الحرب، وأنّ المحور المضاد هو الذي “يعضّ على الجرح”، إلا أنّ العارفين بأدبيّات “حزب الله” يقولون إنّ الإسرائيلي لم يطلق “صافرة الحرب” بعد، لأنّه لا يريد أن يظهر دوليًا على أنّه من تسبّب بها، فضلاً عن كونه يدرك أنّ ما بعد هذه الصافرة لن يكون كما قبلها.

لا يعني ما تقدّم أنّ “حزب الله” يريد الحرب، وفق ما يقول العارفون، فأداؤه في الميدان على الأرض، كما في الردود على الضربات “المؤلمة” التي يتعرّض لها، يؤكد أنّه يعمل بكلّ ما أوتي من قوة لتفاديها، للكثير من الاعتبارات والحسابات، بينها الواقع اللبناني غير المستعدّ لها، لكنّ العارفين بأدبيّاته يجزمون أنّ الحزب “جاهز ومتأهّب” لمثل هذه الحرب متى “فُرِضت عليه”، وعندها سيتحرّر من كلّ الضوابط التي تكبّله، وهو ما يعرفه الإسرائيلي قبل غيره.

يحيل العارفون السائلين عن موقف “حزب الله” إلى كلمة أمينه العام الشهيرة، “يا هلا ومرحب”، بعيدًا عن الاستنتاجات الخاطئة، وربما المضلّلة، التي خرج بها البعض، فما أراد الحزب قوله هو أنّه على أتمّ الجهوزية لخوض هذه الحرب، إذا ما أخطأ الجانب الإسرائيلي بشنّها، لكنّه لم يعنِ في أيّ مكانٍ، أنه سيكون من “يطلق صافرتها”، ولو أن هناك في صفوف مؤيّدي الحزب من يعتقدون أنّ “الاستفزازات الإسرائيلية” المتواصلة ترقى لمستوى “إعلان الحرب”.

في النتيجة، إذا كان صحيحًا أنّ الحرب الشاملة ليست “خيارًا مفضّلاً” لأيّ من الطرفين، في الوقت الحالي، وطالما أنّ حرب غزة لا تزال مستمرّة، فإنّ الصحيح أيضًا أنّ كل الاحتمالات تبقى مفتوحة، والسيناريوهات ممكنة. هناك من يقول إن الإسرائيلي ما عاد قادرًا على احتمال معادلة “وحدة الساحات” ولو بحدّها الأدنى، وثمّة من ينبّه إلى أنّ “صبر” المحور المحسوب على إيران، على قتل قادته، له “حدود”، فهل يتخلّى عن شعار “التوقيت والمكان المناسبين”؟!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.