أزمة خطيرة بين الأونروا والفلسطينيين في لبنان تنفجر…

أزمة جديدة حادّة وخطيرة إنفجرت بين إدارة “الأونروا” في لبنان والقوى السياسية والشعبية والتربوية الفلسطينية على خلفية طلب المديرة العامة دوروثي كلاوس، من مدير ثانوية دير ياسين في مخيم البص (جنوب لبنان) فتح الشريف، تقديم استقالته ضمن مهلة (حتّى أول من أمس) على خلفية نشاطه السياسي والوطني.

ويعتبر اجراء وكالة “الأونروا” بحق شريف ليس الأول من نوعه في لبنان، إذ سبق واتخذت إجراءات مماثلة بحق بعض معلّمين خلال السنوات السابقة، تحت ذريعة مخالفة الحياديّة، وتعرض الأساتذة أحمد ميعاري، زياد عبد الغني وأحمد نمر مصطفى لإجراءات مشابهة خلال العام 2023، وقبلهم محمد خليل أبو عرب في العام 2022، ما فجّر حالة من الغضب الفلسطيني والتحركات الاحتجاجية أدت إلى تراجع الوكالة عن قراراتها.

وتؤكد مصادر فلسطينية، أن خطورة الطلب أنه يأتي اليوم تجاوباّ مع الضغوط التي تمارس على الوكالة لتطبيق مبادئ الحيادية-أي نزع الانتماء الوطني للموظفين لصالح الوظيفة، تحت ذريعة وقف تمويلها خاصة بعد قرار 16 دولة تعليق مساعداتها المالية، وقيام 4 دول أخرى بدرس الأمر بحجة مشاركة أو تأييد 12 موظفا من غزّة بعملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حركة “حماس” (7 تشرين الأول 2023) وأعقبها العدوان الإسرائيلي على القطاع.

وتشير المصادر، أن الأخطر في الطلب، توقيته حيث الخشية من حصول شرخ كبير في العلاقة بين “الأونروا” واللاجئين الفلسطينيين وقواهم السياسية والشعبية بعد الوقوف معها صفا واحدا في الدفاع عن بقائها وإعادة تمويلها في مواجهة حصارها ماليا لابتزازها سياسيا، كونها الشاهد الحي على نكبة فلسطين وعلى حق العودة، وقد ترجم بسلسلة من التحركات الاحتجاجية في مختلف المخيمات والمناطق والتي طالبت هيئة الأمم المتحدة تحمّلها مسؤولياتها كاملة وتأمين موازنة مالية دائمة منها تفادياً للابتزاز من الدول المانحة.

وأكدت المصادر، أن هناك تصميما فلسطينيا على رفض الإجراء وعلى مواصلة التحركات الاحتجاجية حتى تبلغ مداها، على اعتبار أنّ القضية ليست شخصيّة، بل لها أبعاد وطنية تتعلق بكل الموظفين من جهة وبحق التعبير عن الانتماء الوطني من جهة أخرى، ورفض تهديد إدارة الوكالة أو المانحين بلقمة العيش والاختيار بين الانتماء والوظيفة وسط إصرار على الإثنين معاً، وعلى المحافظة على مؤسسة “الأونروا” مهما كلف الثمن.

ويروي مسوؤل فلسطيني، تفاصيل القضية، ويقول “إن كلاوس استدعت قبل أسبوع ونيف تقريبا شريف وعدداً من المعلمين، وأبلغتهم بأنّ تقارير وصلت للوكالة عن قيامهم بأنشطة مخالفة للحيادية داخل الثانوية في مخيم البص، فرد المربي شريف بأنها تأتي في إطار إنساني تحت عنوان حملة “رغيف الخبز”، حيث جمعت تبرعات لصالح تأمين الطعام لأبناء غزة، وقد وصلت إلى مستحقّيها من المدنيين، مرفقاً ذلك بفيديوهات وصور تثبت ذلك، على قاعدة أنّ “هذا واجب لا يمكن التخلي عنه مهما كانت الأسباب”، فطلبت كلاوس من شريف تقديم استقالته في مهلة تنتهي اول من أمس، أو إن “الأونروا” ستشكل لجنة تحقيق قد ينتهي الأمر باتخاذ قرار بفصله وحرمانه من تعويض نهاية الخدمة، فرفض تقديم استقالته.

وسرعان ما انتشر الخبر، ما أثار استنكار القوى السياسية والشعبية وغضب أبناء المخيمات الذين رأوا فيه رسالة ابتزاز واضحة والاختيار بين الوظيفة أو الانتماء الوطني، معتبرين انّ “إدارة “الأونروا” رضَخت مؤخّرا للابتزاز تحت ذريعة أنّ “الدول المانحة لن تقوم بدعمها إن لم تقم الإدارة بمثل هذه الإجراءات بحقّه وبحقّ موظّفين آخرين تحت شعار الحيادية”.

سياسيا، رفض مكتب شؤون اللاجئين في العمل الجماهيري في حركة “حماس” محاولات “الأونروا” في تصنيف الموظفين والتمييز بينهم وتهديدهم والتلاعب بوضعهم الوظيفي وابتزازهم مادياً والإساءة إلى تاريخهم المهني المشرف، مؤكدا “أن تهديد مديرة وكالة “الأونروا” في لبنان للموظفين هو عبث بالأمن الاجتماعي والاستقرار الأهلي للمجتمع الفلسطيني في لبنان، الذي يمر في ظروف سياسية واقتصادية معقدة، معتبرا أن الإساءة للجسم الوظيفي الفلسطيني العامل في الوكالة يتساوى مع مخططات الاحتلال الإسرائيلي وحكومة المجرم بنيامين نتنياهو، الذي يعمل على إنهاء عمل الأونروا وإلغاء قضية اللاجئين وحق العودة، داعيا مديرة الأونروا في لبنان إلى طي ملف تهديد الموظفين وسحبه بالكامل، والانتباه إلى المآلات الخطيرة لتعريض المجتمع الفلسطيني في لبنان لاهتزازات بسبب قراراتها.

ووصفت دائرة “وكالة الغوث” في “الجبهة الديمقراطية” الإجراء بأنه خطأ مكرّر ومن شأنه أن يفتح الباب أمام مسلسل من الابتزاز لجهة وضع الملاحقة والتوقيف سيفاً مُسلطا فوق رؤوس الموظفين واستهدافهم، تحت شعار الحيادية، ولا يمكن فهمه وتفسير خلفياته إلا باعتباره استجابة لما يريده الإسرائيليون والأميركيون بهدف القضاء التدريجي عليها، وهذا ما يتطلّب تحركات شعبية وسياسية بالتعاون والتنسيق بين منظمة التحرير والدول العربية المضيفة”.

نقابيا، أعلن اتحاد المعلمين في الوكالة، أنّ اجتماعاته ستبقى مفتوحة لمواكبة كافّة التّطوّرات، واصفاً ما تقوم به إدارة الوكالة بـ”الابتزاز السافر” لرئيس اتّحاد المعلّمين في لبنان الأستاذ فتح شريف، وبأنه “لعبٌ بالنّار وحربُ وجود لن يبقى فيها إلّا أصحاب الأرض والقضيّة، منوّها “بدوره الوطني و”نشاطه لمساعدة وبلسمة جراح أهالي قطاع غزة جرّاء ما تعرّضوا له من ظلمِ وحصارِ وإجرام الاحتلال الصّهيونيّ البغيض بحقّ أبناء شعبنا حتّى وصل به الحدّ إلى تجويعهم حتّى الموت”.

شعبيا، انطلقت مسيرات في مخيم الرشيدية والبص في منطقة صور احتجاجا، فيما عمَّ الإضراب العام مدارس “الأونروا” دعما لمدير المدرسة شريف وامتنع أكثر من 36 ألف طالب عن الذهاب إلى مدارسهم، فيما أغلقت 64 مدرسة تابعة لـ”الأونروا” أبوابها في كافة المناطق اللبنانية، تلبية لدعوة الاتحاد العام للمعلمين.

وأكد شريف أمام مسيرة طلاب، أنه لن يستقيل، ولن يغير من مواقفه أو يتوقّف عن نشاطاته الداعمة للفلسطينيين المنكوبين في قطاع غزة، وان أياً كان لن يستطيع ثني الفلسطينيين عن مواقفهم الوطنية وانتمائهم. مشددا إن الوظيفة لم تكن يوماً ما هدفاً، “ولن تذلنا الوظيفة يوماً ولن تسيّرنا الوظيفة وتجعلنا نتنازل عن حقنا وعن كرامتنا وعن عزتنا، قلتها وأقولها وأكررها أن انتماءنا لفلسطين ولشعبنا ولغزة وللضفة ولكل فلسطين هو انتماء عقيدي ولا تراجع عنه”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.