سوق الطوابع كسوق الدولار: تواطؤ من أعلى الهرم الى أسفله
يخجل أحد رؤساء الدوائر في مؤسسة رسمية في لبنان أن يطلب من قاصديه للمساعدة في بعض المعاملات أي بدل مالي، رغم أنه يتكلف على المعاملة بضعة أوراق من فئة المئة ألف ليرة للحصول على الطوابع فقط، فالمواطن الذي لم يجرب بنفسه القيام بمعاملة رسمية، قد لا يعلم أين أصبح الجشع والاحتكار والأسى في هذا الملف الذي لم يجد طريقه للمعالجة منذ أشهر.
لم ينجح النموذج 14 الذي أطلقته وزارة المالية منذ عام ونيف بحلّ أزمة الطوابع، وهذا النموذج يقوم على أساس “حصول المواطن على إشعار بتسديد رسم الطابع المالي، من خلال الدفع في إحدى شركات تحويل الأموال، وذلك لاسباب عديدة تكشفها مصادر متابعة أبرزها “لبكة” تقديم الطلب، حيث تكشف المصادر أن من شروط الحصول على إشعار كهذا هو تقديم الرقم المالي للمواطن طالب الحصول على الطابع، وهو ما ليس معروفاً لدى كثيرين، حتى ولو أن بعض المحال التابعة لشركات تحويل الاموال كانت تتجنب هذا الرقم من خلال عدة وسائل احتيالية.
كذلك تُشير المصادر الى أنه لم يكن متوفراً من خلال هذه الخدمة الحصول على كل أنواع الطوابع، وهو ما كان يؤدي لشرائها بمبالغ أعلى بكثير، طبعاً الى جانب المشكلة الأساس وهي عدم العلم بهذه الخدمة، واستسهال اللبناني لشراء الطابع من السوق السوداء ودفع ثمناً باهظاً مقابل عدم الانتظار.
كل هذه الأسباب مجتمعة جعلت أرباب السوق السوداء في عالم الطوابع يتحكمون بعمليات البيع والشراء ويحققون أرباحاً عالية، وبحسب المعلومات فإن من نراهم على الطرقات يبيعون الطوابع امام المؤسسات والوزارة ليسوا هم أرباب العمل، اذ تشبه المصادر المتابعة هذه السوق بسوق الصرافة التي نشطت في الأعوام الماضية، إذ أن الصيارفة في الشوارع هم الحلقة الأضعف في اللعبة وهم أكثر من يعمل وأقل من يربح، واللعبة تبدأ من فوق الى تحت، وهكذا في عالم الطوابع، إذ هناك الحيتان التي تؤمن البضاعة من جهات رسمية، وتبيعها للباعة المتجولين الذي يرفعون سعرها أكثر لتحقيق مكاسب.
بعد بروز رائحة السوق السوداء في عالم الطوابع، أصدر مرخصو الطوابع في لبنان بياناً جاء فيه: “ان تاريخنا يشرّفنا لجهة تحصيل الضرائب وليس لجهة مراقبة تحصيلها. فطوال هذه المدة لا وجود للسوق السوداء إلّا مؤخّرًا بعد اعتكاف الدولة وخصوصًا وزارة المالية عن طبع الطوابع وتأمين حاجات السوق، وردًا على كلام مدير الخزينة، فالدولة لا تطبع إلاّ القليل من حاجة السوق. وما يتمّ توزيعه على المرخصين هو فتات ما يتمّ توزيعه على صندوق الجمهور (للأفراد والنقابات والمؤسسات الخ…) أو ما يُعرف بصندوق المحسوبيات”.
طبعاً هذا البيان يذكرنا ببيانات الصيارفة فئة أ، الذين كانت توجه إليهم أصابع الاتهام في ملف سوق الدولار السوداء، وما كان يسري يومها يسري اليوم، فليس الكل متورطا وليس الكل بريئا، من اعلى الهرم الى أسفله، ففي حال لم تكن الدولة قادرة، والاهم راغبة، بحل أزمة الطوابع، فلتقم بوقف الاعتماد عليها.