تفاهم “معلّق”… متى تعود علاقة “الحزب والتيار” إلى سابق عهدها؟!
خرج “حزب الله” أخيرًا عن صمته إزاء “التوتر الواضح” في العلاقة بينه وبين من بات يُعَدّ “حليفه السابق”، أي “التيار الوطني الحر”، فوصف على لسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم التفاهم معه بـ”المعلَّق عمليًا”، مع إقراره بعدم القدرة على مواصلة القول “ما في شي”، واعترافه بوجود “اختلافات على أمور عدّة”، وتأكيده في الوقت نفسه أنّ قرار “حزب الله” هو عدم الخوض في أيّ سجال مع “التيار”، والإبقاء على قنوات الاتصال مفتوحة.
جاء كلام الشيخ قاسم بالتزامن مع اتّساع أكبر في “الشرخ” بين الطرفين، تجلى في آخر إطلالات رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، حين لم يكتفِ بالتأكيد على رفض منطق “وحدة الساحات” الذي يروّج له الحزب، بل أطلق معادلة “اللي بدو يزعل… يزعل”، التي فُهِم أنّ المقصود منها لم يكن سوى الحزب، وهو ما لم يتردّد بعض جمهور “التيار” في شرحه، بمعنى أنّ “زعل” الحزب أصبح “أكثر من محبَّب” بالنسبة لهم.
وإذا كان كثيرون توقفوا عند التطور “الشكلي” اللافت الذي برز على خط حارة حريك وميرنا الشالوحي، عبر زيارة وفد نيابي من كتلة “الوفاء للمقاومة” إلى الرئيس السابق ميشال عون، الذي وصفه الشيخ قاسم في مقابلته الأخيرة بـ”الجبل” للمفارقة، فإنّ الثابت أنّها لم تحقّق أيّ “خرق” يمكن البناء عليه، بل إنّ غياب باسيل الذي بدا “متعمَّدًا”، أطاح حتى بالمكاسب “الشكلية” المفترضة من اللقاء، قبل الغوص فعليًا في المضمون.
هكذا، يبدو أنّ “حزب الله” انتقل من منطق “ما في شي” إلى فرضية “التفاهم المعلَّق”، فيما جمهور “التيار” لا يتردّد في التصويب على “الحزب” كما يفعل الخصوم وأكثر، لتبقى علامات الاستفهام مفتوحة على مصراعيها، فهل تصحّ نظرية “التفاهم المعلّق”، أم أنّها مجرّد “صيغة تلطيفية” لنعي التفاهم الذي يوحي كثيرون في “التيار” بأنّه “مات وأصبح في خبر كان”؟ وكيف ستصبح العلاقة بين الجانبين مع “تعليق” التفاهم على المستوى العملي؟!.
ليس خافيًا على أحد أنّ العلاقة بين “الحزب والتيار” تمرّ في أسوأ مراحلها على الإطلاق، وهو واقعٌ لم ينجح صمت “حزب الله” المُطبَق في “التنكّر” له، ولا تجاهله للانتقادات الصريحة والسهام المباشرة التي وصلته من عون وباسيل مباشرةً، في ظلّ ما يحلو للكثير من المتابعين وضعه في خانة “الخلاف الاستراتيجي الجوهري”، بعيدًا عن فكرة حصره بمجرّد “اختلافات على أمور عدّة”، كما حاول الشيخ قاسم تصويره في مقابلته الأخيرة.
فصحيح أنّ الخلاف بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” يستند في الجوهر، برأي معظم المتابعين، إلى مقاربة استحقاق الانتخابات الرئاسية، بعيدًا عن أيّ ملف آخر، وقد بدأ في لحظة تبنّي الحزب ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية للرئاسة، من دون “مراعاة” موقف باسيل، ثمّ تعاظم مع تمسّك الحزب بهذا الترشيح وإصراره على المضيّ به غير آبهٍ بكل المواقف، بل متجاهلاً محاولات “التيار” دفعه نحو موقف “وسطيّ” في مكانٍ ما.
إلا أنّ الصحيح أيضًا أنّ الخلاف الذي بدأ “رئاسيًا” تمدّد إلى سائر الملفات والاستحقاقات، لدرجة اعتبر كثيرون أنّها “فضحت” أنّ التفاهم الذي اعتبره القيّمون عليه ذات مرّة “نموذجيًا” وأرادوا تعميمه على الجميع، وقع في “فخّ” غيره من التفاهمات القائمة على “المصالح” أولاً وأخيرًا، وهو ما يمكنه أن يفسّر الهجمات الافتراضية المتبادلة بين الطرفين، ولو تفاوتت نسبتها، وكأنّ هناك من “تحرّر” من قيود كانت تكبّله وتمنعه من التعبير، بمجرد “انتفاء المصلحة”.
وإذا كان الحديث عن “بناء الدولة” لطالما شكّل أساسًا للتشكيك بمتانة هذا التفاهم، فضلاً عن مكافحة الفساد، من دون أن ننسى العلاقة مع “حليف الحليف” في إشارة إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، فإنّ وصول ما سمّاها الشيخ قاسم بـ”الاختلافات”، إلى القضايا الاستراتيجية، ومنها مقاربة الحرب على غزة وتفاعلاتها لبنانيًا، وما يفعله الحزب عمليًا على “الجبهة” في الجنوب، أوصلت العلاقة إلى مرحلة يقول البعض إنّه لم يعد فيها “خط رجعة”.
ومع أنّ “حزب الله” التزم الصمت إزاء المواقف “العونيّة” التي صدرت في هذا السياق، بل ذهب بعض المتحدّثين باسمه أو المحسوبين عليه إلى “تمييزها” عن مواقف الخصوم، انطلاقًا من “النوايا الطيبة” لعون وباسيل وغيرهما، فإنّ هناك بين هؤلاء من يؤكد في الغرف المغلقة أنّ الأمور ما عادت “تُحتمَل”، بل أنّ باسيل “يزايد” في مكان ما على “خصوم المقاومة”، حتى إنّه يقوم ببعض ما فعله هؤلاء في ذروة “حرب تموز 2006”.
إزاء ذلك، يصبح السؤال عن عودة العلاقة بين “الحليفين السابقين” إلى سابق عهدها، ولو كان مشروعًا، إشكاليًا للكثير من الأسباب والاعتبارات، ولو أنّ العارفين يعتقدون أنّ الطرفين يحرصان على عدم إقفال قنوات الاتصال بالمطلق، لاعتقادهما بأنّ “المصلحة” ستعيد جمعهما عاجلاً أم آجلاً، ما يدفع إلى تكوين انطباع بأنّ “تعليق” التفاهم، سيحوّل العلاقة بينهما إلى ما يشبه التحالفات الانتخابية التي شرّعها “التيار” ذات مرّة، أي “على القطعة”.
يقول العارفون إنّ “حزب الله” لا يريد التفريط بالتفاهم مع “التيار الوطني الحر” رغم كل المواقف التي يرى فيها “استفزازًا”، والتي قد تؤثّر سلبًا على التطورات الميدانية جنوبًا، ولكنّه يرى أنّ “الحاجة” إلى “التيار” في المرحلة المقبلة تبقى فوق كلّ هذه الاعتبارات، لأنّه يدرك أنّ موقف “التيار” لن يكون كموقف الخصوم إذا ما توسّعت الحرب، وهو يحتاج إلى “الغطاء” الذي توفّره هذه العلاقة، في مرحلة الحرب، لكن في مرحلة ما بعدها أيضًا.
ومع أنّ “التيار الوطني الحر” يتصرّف في المقابل على أنّه “استغنى” عن التفاهم الذي لم يعد يعني له شيئًا، بل يوحي أنّه كان “عبئًا ثقيلاً” وقد تحرّر منه وارتاح، فإنّ العارفين يقولون إنّ قيادة “التيار” لا تترجم مثل هذا الانطباع عمليًا، وهي توجّه بعض الرسائل على أنّ “القطيعة موقتة”، وأنّ العلاقة يمكن أن تعود لسابق عهدها بمجرّد أن ينطق الحزب “كلمة السرّ”، وهي “التخلّي عن ترشيح سليمان فرنجية”، ليُبنى عندها على الشيء مقتضاه.
لعلّها الخلاصة نفسها التي تتكرّس في كلّ المناسبات، وهي أنّ السياسة “لعبة مصالح”، وبالتالي أن “لا مستحيل فيها”. هكذا، تبدو عودة العلاقة بين “الحزب” و”التيار” إلى سابق عهدها، “ضربًا من ضروب الخيال” اليوم، فالطرفان انتقلا من التفاهم إلى “الخصومة” بكل معنى الكلمة، ولو أبقيا على قنوات التواصل، لكنّهما يبدوان جاهزين رغم كلّ شيء، لـ”شطب” هذه المرحلة في أيّ لحظة، والعودة إلى ما قبلها، وكأنّ شيئًا لم يكُن!.