الخبر العاجل: مبنى تحليلي أم تضليلي

مع تمدد المساحات التواصلية، وتعدد الشبكات و”الأنفاق” الإخبارية، بات الملحق الفلاشي أو ما صار يعرف بالخبر العاجل مستنداً للتحليل والتبرير وتسطير إنجازات وإخفاقات ببضع كلمات تشكل توطئة للخبر الكبير والحدث الساحق. وبالرغم من جوهرية وفاعلية هذا التواصل السريع مع المتلقي في زمن التكنولوجيا الذكية والتفاعلية، إلا أن الدقة والمصداقية أصبحتا في خبر كان عند عدد من المنصات والمجرّات الإخبارية. فبالطبع، العتب هنا يتقاسمه المتلقي المستهدَف والناشر المتلهّف، في بعض الأحيان، لإحداث خلطة سبق صحفي يتلذّذ بها بعضُ من الجمهور غير الواعي لمُفاعلات التضليل.
فقد كثرت في الحقبة الحالية، وتحديداً في مرحلة ما يسمّى بـ”الربيع العربي”، المنصات والتطبيقات والصفحات الإخبارية التي تنشر وتبتكر وتستأجر أخباراً ومواد إعلامية، لا يعلم بها إلا الله. فيأتون بخبر من هنا وخبر من هناك بغية تفعيل جماهريتهم وإنبات بذرة وجودية لهم في عالم الإعلام الأصيل أو البديل. وبما أن سهولة تنزيل هذه التطبيقات والوصول إليها برفة رمش صار واقعاً، فقد كان من شأن ذلك أن يغذّي هذه النبتة وينشرها بشكل عامودي تصاعدي في كل أنحاء المعمورة.
ومن الملفت في هذه الحروب المستعرة والمشحونة بالأحداث الدموية، أن هذه المواقع الإخبارية باتت ترسل أخباراً بشكل إعتباطي دون عناء التبيُّن من صحة مصادرها. فكما يمكن لك أن تصل إلى المعلومة، باستطاعتك أيضاً أن تتواصل مع الجهة المسؤولة لمعرفة ما إذا كان المتداوَل صحيحاً وملائماً للتعميم. من الأمثلة الحيّة القريبة زمنياً، نشر خبر تناقلته وسائل إعلامية عن قبول رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري بفصل جبهتي غزة ولبنان بمباركة حزب الله. وطبعاً للخبر تتمة لا جدوى من ذكرها. وسرعان ما أفاد مكتب بري، في وقت لاحق، أن الخبر لا يمت للحقيقة بصلة. والمؤسف هنا أن الخبر نقلته قناة لبنانية معروفة تحت عنوان: مصادر دبلوماسية لقناة…
ما الذي كان ينقص تلك القناة كي يتواصل قسم الأخبار لديها مع مكتب بري للتأكد من صحة الحديث؟ أين المسؤولية الإعلامية والتعهد بنشر الحقيقة ولا شيء إلا الحقيقة؟ أين ميثاق شرف مهنة الصحافة الذي يأمر بالمصداقية وينهى عن التضليل؟ هل المال الموظّف لهذا الهدف هو المؤثر والـ”momentum” الذي يتقصّد أربابه الإستعانة ببعض وسائل الإعلام لتشويش البيئة الحاضنة لطرفٍ ما من خلاله؟ في هذا المضمار، إن هذه الوسائل الإعلامية تظهر قاصرةً عن القيام بأسمى مهامها وهي نشر الحقيقة دون “رتوش” أو مطيّبات. وإلى جانب هذه الهفوات مع ضآلة الكفايات، يعومُ على سطح الحدث، الرأي العام أو الجمهور الذي يشارك، البعض منه، بنشر الخبر وتناقله بسرعة فائقة دون محاولة التأكد من نشره في مواقع أخرى موثوقة أو حتى تحليله بشكلٍ منطقي. لأن بعض الأخبار كفصل الجبهات مثلاً، لا يمكن أن تأتي على شكل خبر عاجل، فلا بُدّ للرئيس بري أو أي جهة حليفة أن تعقد مؤتمراً تعلن فيه ذلك.
تجدر الإشارة إلى أن نقل الخبر على قاعدة السباق غير النفعي، ووضع الجمهور في غير الصورة الحقيقية للواقع، يعدُّ إنتهاكاً سافراً ومُحكَماً لأدبيات مهنة التضحيات والتسامي.

محمد رشاد الحلبي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.