شربل نحاس ومشروع السلطة البديلة

تفتقر الانتفاضة اللبنانية (أكثر الأطراف الرجعية فيها تصرّ على لقب «الثورة») إلى قيادات ومشاريع محدّدة. والثورة هي مشروع تغيير، وفي غيابه يبقى الكلام عن الثورة ــ وحتى عن الإصلاح ــ مجازيّاً. الأحزاب اليسارية مُشاركة في الانتفاضة لكن بحدود حجمها المتواضع (وبعض اليساريين يحمّل حزب الله مسؤولية صغر حجم الوجود الشيوعي كأن الحزب هو الذي أضعف الشيوعية، لا الأحزاب الشيوعية نفسها وانهيار الاتحاد السوفياتي). والحزب الشيوعي اللبناني لا يظهر مُتماسكاً في هذه الانتفاضة، لا بل تظهر في جيله الجديد بوادر إصلاحية توفيقية غير يسارية.

والعداء ضدّ حزب الله ــ أي ضد الفريق الذي علّم الجيوش العربية وعلّم المقاومات اليسارية أصول المقاومة الفذّة ــ عند بعض الشيوعيين يفوق العداء ضد الحريرية والرأسمالية: فقد استضاف شيوعيون في صور وكفر رمان فريق أحمد قعبور وكريم مروّة، أي مروّجي الحريرية البارزين. كذلك، لم يطرح الحزب الشيوعي برنامجاً للتغيير، بل وافق على «ورقة الكومودور» التي خافت من ذكر معاداة إسرائيل. وتتجاهل منظّمات من يتستّر برداء «المجتمع المدني» (كأنه حزب واحد متراص)، السياسة الخارجية، كأن لبنان يعيش في جزيرة في المحيط الهادي. و«بيروت مدينتي»، بعدما استفاقت من إحراج خبر لقائها مع قائد الجيش (بالنيابة عن الشعب اللبناني؟) أصدرت، في الأسبوع السادس، بياناً عن مطالبها أصرّت فيه على سنّ قانون «استقلالية القضاء». لو أن استقلالية القضاء، والقضاء على الفساد يتحققان بقانون لما احتاجت الشعوب أن تنتفض وتثور. وفي البند السادس، حاولت المجموعة الموازَنة بين نقدها لحزب الله ونقدها لتيار المستقبل: لكن تلك الموازَنة كانت مختلّة بشكل ذريع. هي ربطت حزب الله بالخارج (كأنه سفارة على الأرض اللبنانية) فيما كان نقدها الملطّف لتيار المستقبل فقط على المراهنة على جذب أموال سيدر، من دون الإشارة التي فاتت «بيروت مدينتي» (وفيها مَن أعلن جهاراً ولاءه لرفيق الحريري) إلى علاقة التيار بالخارج الخليجي والغربي.

أما حركة «مواطنون ومواطنات»، فقد شابت تجربتها بعض الهزّات: من الشرذمة في الانتخابات النيابية إلى التعويل المُفرط على مدنية الدولة حلاً. كما أن شربل نحاس تعرّض لحملة شعواء (ظالمة) على مواقع التواصل من قِبل جمهور حزب الله وحركة أمل ــ ومن قِبل عتاة الرجعية وأعداء المقاومة، ما يوحي بأن الحملة لم تكن بريئة، وأن أعداء المقاومة أوقعوا أنصار المقاومة في فخّها ــ بسبب ردّه على أسئلة في وسط بيروت. وبالرغم من أن كلام نحّاس أسيء تفسيره (وعن قصد من أعدائه، وهم يتراوحون بين السلطة وبين قوى «المجتمع المدني» التي تخاف من راديكالية ونزاهة طرحه)، فإن الكلام تضمّن ما هو مزعج: الحديث عن لبنانيين بصيغة «نحن» و«هم»، وهي صيغة طائفية سمعناها من ديميانوس قطّار ولا تليق بالخطاب العلماني الثابت لنحاس. والكلام عن الحجاب بصيغة التحرير من «الأسر» أهان كثيرات وكثيرين، وإن كان نحاس يتحدّث عن ذوي العقلية الطائفية، لكن كلامه صيغَ خطأً وكأنه صادر عن عقليته.

لقد تقدّم نحاس بمشروع للتغيير يبقى أفضل ما طُرح أمامنا منذ اندلاع الانتفاضة، بينما يبقى كلام قوى عديدة في الحراك في نطاق العموميات. ويكتسي كلام نحاس مصداقية لأنه، خلافاً للكثيرين من حديثي المعارضة لنهج الظلم الطبقي، عارض الحريرية منذ بدايتها، وكانت تجربته الوجيزة في الحكم من أفضل التجارب في التاريخ المعاصر، وخرجَ منها من دون التنازل قيد أنملة عن مبادئه. ونحاس، بالرغم من اللغط الذي صاحب كلامه عن المقاومة، له موقف ثابت وعقائدي ضد إسرائيل، خلافاً للكثير من حلفاء حزب الله الجدد (والعتاق، بما فيهم حليف العقود، وليد جنبلاط، الذي لا يملّ الحزب من مصالحته ونسيان أفعاله وحتى مراعاته في الانتخابات على حساب حلفاء الحزب الخلّص في الجبل). ولا يدرك الحزب أن بعضاً من أفضل المُدافعين عن المقاومة في لبنان هو من خارج حزب الله، مثل شربل نحاس (والوزير منصور بطيش قدّم في مقابلاته مرافعات في الدفاع عن حزب الله أفضل من مرافعات وزراء الحزب أنفسهم). ولأن بعضاً من أفضل المدافعين عن الحزب هم من خارجه، فيمكن للحزب أن يتعوّد على خطاب غير خطاب الحزب، وإن كان لا يقلّ عنه عداء لإسرائيل.

أسعد أبو خليل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.