غادة عون… واشكاليات القضاء اللبناني

عندما انفجرت قضية القاضية غادة عون، وكثر التصويب عليها، لاحظ المتابعون ان مدعي عام التمييز ورئيس التفتيش القضائي صوبا في اتجاهها، وسط موافقة ضمنية من رئيس مجلس القضاء الاعلى، وعملا على تنحيتها عن ملفات يتشوق اللبنانيون ان يمضي فيها القضاء حتى النهاية، لمعرفة مدى تورط اصحابها في الجرائم المالية المنسوبة اليهم. فكانت اثارة المخالفات الشكليّة وربما غير الشكليّة للقاضية عون الذريعة لحرف الاهتمام عن اكبر عملية سطو على جنى عمر اللبنانيين، وتهريب ودائع المصارف الى الخارج. والمؤسف ان الموضوع قد سيّس وان فريقا من اللبنانيين آثر الوقوف ضد ما قامت وتقوم به عون، لا عن قناعة، بل بدافع من غرض سياسي او مذهبي، مطبقا على نفسه قول المثل”نكاية بجاري، احرق شروالي”.
اذا كانت القاضية عون قد تخطت في ادائها القوانين الى درجة التمرد، فلماذا وفر لها مدعي عام التمييز الذريعة، ومكّنها من البروز كحالة “شواذ مرغوبة” لدى الرأي العام الذي يئس من الوعود التي اغدقت عليه من دون حساب بان السلطة القضائية لن تتهاون في محاسبة الفاسدين والمرتكبين وناهبي المال العام، وحاجزي ودائع الناس الذين يمعنون حتى الساعة في ابتكار فنون السطو على الجيوب.
ماذا فعل مجلس القضاء منذ تشكيله الى اليوم. وكيف تصرف للدفاع عن مدّعية عامة أهينت على يد نائب تصرف معها بفائض من الذكوريّة، في مكتبها، من دون ان يكلّف نفسه الدفاع عنها والمسارعة الى اتخاذ التدابير الزاجرة بحقه.
لماذا لم يحرك المجلس الملفّات العائدة لحاكم مصرف لبنان، والمصرفي انطون الصحناوي، وشركة ميشال مكتف، وكل الملفات الاخرى من دون استثناء، الى الاجهزة القضائية المختصة لتقول كلمتها. فتقطع الطريق على كل مشكك، ولا تسمح ببروز ظاهرة مثل ظاهرة غادة عون، التي لولا الطائفية والمذهبية، وما تفرضان من توازنات، ولولا الانقسامات السياسية الحادة ،لكان الشعب اللبناني باسره قد نزل الى الشارع لنصرتها.
ويمكن القول، من دون مبالغة، ان الشعب منهك ومتعب ومرتبك وضائع، وفاقد الثقة والامل بكل القوى السياسية التي راهن عليها، ومأساته تتمثل في عدم وجود بديل يركن اليه، لكنه في قرارة نفسه يتعاطف مع القاضية عون، التي تلاقي ايضا تعاطف العديد من القضاة الشرفاء الذين يئنون ويعانون دون ان تبلغ بهم الامور النسج على منوال زميلتهم “الخوتة” بحسب توصيف اللواء النائب جميل السيد.
بعد البركان الذي حركته غاده عون تبين للبنانيين آلاتي:
١-ان الحاكم بامر لبنان هو رياض سلامه وسلطته مطلقة لا يقاسمه فيها احد.
٢‐ان سلطة المصارف واصحابها تبتزّ في نفوذها السلطة القضائية.
٣-تحالف الفاسدين واصحاب رؤوس الاموال في كل الطوائف والاحزاب، هو سلطة موازية لها امتدادات راسخة في كل ادارات الدولة واجهزتها.
٤-تناقض القيادات الروحية في مواعظها الارشاديّة. فمن جهة تحمل على الفساد ورعاته، وتدعو الى مكافحته، وفي المقابل توفّر الرعاية والدعم للفاسدين والمفسدين على طريقة: “يا غيرة الدين”.
وفي نهاية المطاف لا خلاص للبنان الا بقضاء مستقل، والاسراع ببت قانونه الموجود في المجلس النيابي شرط عدم دس الالغام فيه، فتنفجر بمجرد البدء بتنفيذه، وعدم تحوير المادة الخامسة منه والعمل على تحريرها من القطب المخفيّة التي تؤدي الى شلل اجرائي في ما بعد.
واذا كان القضاء -وهكذا يجب ان يكون- هو احد مرتكزات كيان الدولة لانه ينطلق من القانون وينطق به، فليكن السعي بتثبيت نموذجيته من خلال كسر الاحتكار الطائفي والمذهبي في مراكزه الرئيسة باعتماد المدوارة في هذا الجسم حصرا كمرحلة اولى.
قد تهزم القاضية غادة عون في معركتها مع مجلس القضاء الاعلى، ولاسيّما مدعي عام التمييز، وهي متيقنة ان التفتيش القضائي لن يرحمها.
وتعرف انها ارتكبت مخالفات من خلال ما اقدمت عليه مؤخّرًا، الا ان تحركها كان للصالح العام لا ضده، وكشف عن نية في دكّ معاقل الفساد لا صونها وحمايتها.
قد يقال عنها كل شيء. لكن احدا لا يستطيع ان يسمّها بالرشوة والفساد ومحاباة النافذين، وهو امر شائع في دولة الزبائنية والمحسوبيات اسمها لبنان.
هل يثور القضاء اللبناني على نفسه ويستعيد الصورة التي نتمناها له؟.

يوسف يوسف خاص بـ”الجريدة”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.