زيلينسكي وبوتين وجها لوجه

التقى الرئيسان الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والروسي فلاديمير بوتين وجها لوجه، بعد طول حديث وترقب لأهمية هذا اللقاء، وكثير من الأحداث التي سبقته ومهدت إليه، وأخرى يترقبها الشارع في الفترة المقبلة بشأن الصراع المسلح الدائر في شرقي أوكرانيا منذ خمسة سنوات بين الجيش الأوكراني والانفصاليين المسلحين الذين تدعمهم موسكو.
فقد التأم شمل قمة رباعية النورماندي في باريس أول أمس الاثنين بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وبعد مباحثات مغلقة طويلة تخللها لقاء ثنائي بين زيلينسكي وبوتين، خرجت القمة بإعلان نتائج في ساعة متأخرة من الليل، ومن أبرزها:

1- تبادل جميع السجناء والأسرى قبل نهاية العام الجاري.

2- وقف كامل لإطلاق النار في شرقي أوكرانيا بمراقبة مستمرة من بعثة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.

3- تحديد ثلاث نقاط جديدة لعملية فصل القوات الأوكرانية والانفصاليين المسلحين في الشرق الأوكراني على أن تنفذ إلى غاية نهاية مارس/آذار 2020.

4- تعهد أوكرانيا بإدخال اتفاقية “صيغة شتاينماير” ضمن تشريعاتها الوطنية، وهي الصيغة التي اقترحها وزير الخارجية الألماني السابق فرانك فالتر شتاينماير، وتقضي بتعديل الدستور الأوكراني لمنح المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون في الشرق نظاما خاصا للإدارة المحلية.

5- عقد الاجتماع المقبل لرباعية النورماندي في غضون أربعة أشهر.

من المستفيد

ولا تفسر النتائج المذكورة سبب طول ساعات مباحثات قمة النورماندي وتغير جدول أعمالها جذريا لتنتهي في ساعة متأخرة من الليل، وفي حقيقة الأمر فإن جميع الأطراف المشاركة متفقة على النتائج المذكورة حتى قبل انعقاد القمة، فقد لمح إليها ورحب بها مرارا المسؤولون في كل من أوكرانيا وروسيا في الأسابيع الماضية.

ويدرك الناظر إلى هذه النتائج أنها في المجمل تصب في صالح أوكرانيا أكثر من أي بلد آخر، لأن كييف هي التي تنادي بوقف الحرب في مناطقها الشرقية وتنفيذ تبادل الأسر، في حين لا تستعجل روسيا هذا الأمر، وهي التي تسيطر على الأرض بعون الانفصاليين الموالين لها.

تجميد الصراع

وحتى إن وصل الأمر حد تجميد الصراع في مناطق الشرق الأوكراني كما ألمح إلى ذلك المسؤولون في أوكرانيا في أحد خياراتهم المحدودة، فهذا يبقى في صالح روسيا بحسب ما يراه مراقبون.

ويقول الصحفي الأميركي توم بيل في قناة “يو آي تي في” الأوكرانية إن روسيا ليس أمامها خيار آخر سوى تجميد حربها في منطقة دونباس شرقي أوكرانيا، فالبقاء أو أي توغل إضافي داخل الأراضي الأوكرانية سيحتاج إلى أعداد هائلة من الأفراد والمعدات العسكرية.

ويضيف بيل “على المدى القصير، الأراضي المحتلة مؤقتا ستشكل عبئا ماليا ثقيلا على موسكو، ولذلك فهي حريصة على تسليمها إلى أوكرانيا بشروطها المذكورة في بنود الاتفاق (إدخال اتفاقية “صيغة شتاينماير” على التشريعات الأوكرانية)”.

أهداف روسيا

ويرى مراقبون أن روسيا تسعى من وراء القمة أيضا إلى ما يتجاوز أوكرانيا في علاقاتها الخارجية، وتحديدا إلى إعادة الدفء لعلاقاتها مع دول أوروبية كبرى فرضت عليها عقوبات كثيرة، ولا شك أنها أثرت على موسكو بعد خمس سنوات من سريان تلك العقوبات.

وقد تضرر الجانبان الروسي والأوروبي من هذه العقوبات، وقد برزت في الفترة الأخيرة بوادر إرادة أوروبية لتخفيف حدة التوتر مع موسكو، تمثلت أولا في إعادة الوفد الروسي إلى مجلس أوروبا، ثم بتصريحات للرئيس ماكرون قال فيها بوجود إمكانية لرفع العقوبات عن روسيا.

ويقول الكاتب والمحلل السياسي الأوكراني أوليكساندر بالي “لا ننسى هنا أن الأزمة الأوكرانية قبل الأزمة السورية هي التي أخرجت روسيا من عضوية مجموعة الثماني الكبرى، وشوهت صورتها وأضعفت حضورها وتأثيرها الدولي في أوروبا والعالم. إذا ما قارنا نتائج قمة النورماندي بالأهداف الروسية نجد أنها ثمن بخس لبضاعة غالية تحتاج إليها موسكو”.

القضايا الرئيسية

واللافت أن القمة الرباعية لم تتطرق علنا إلى قضايا كبرى رئيسية على رأسها ضم روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية في مارس/آذار 2014، وتسليم مليشيات الانفصاليين الموالين لروسيا مواقعها وأسلحتها، واستعادة كييف سيطرتها على حدودها الشرقية مع روسيا.

وقد كان طول ساعات القمة مؤشرا يرجح أن الأطراف المشاركة تطرقت فيها إلى القضايا الرئيسية للنزاع، لكن أطراف القمة تدرك جيدا أن القرم -على سبيل المثال- خط روسي أحمر، لهذا يؤجل نقاشه إلى مرحلة لاحقة.

ويقول الصحفي توم بيل إن “خطة بوتين بشأن بأوكرانيا بسيطة: إبقاء شبه جزيرة القرم بعيدة عن طاولة المفاوضات، مع إبقاء قضية الصراع في الشرق الأوكراني قائمة وإطالة أمدها، إلى أن تتنازل كييف أكثر وأكثر”.

ملف الغاز

والجدير بالذكر أن القضايا العالقة بين موسكو وكييف كثيرة ومتشعبة، بعضها ساخن وعاجل لدرجة تتجاوز قضية الشرق الذي يشهد هدوءا منذ أسابيع، ومن تلك القضايا ملف نقل الغاز الطبيعي المتعثر.

فقد قال الرئيس الأوكراني إنه أصر خلال القمة على إبرام عقد مع روسيا لمدة عشرة أعوام، في حين لم يحسم الرئيس الروسي هذا الأمر بعد، وكانت موسكو قد أبدت استعدادها في وقت سابق لإبرام اتفاق لمدة عام واحد فقط.

ويقول مدير مركز التحليل السياسي في كييف أوليكسي هاران إنه لا يمكن حل هذه القضايا في ظل إغفال قضية الحرب في الشرق الأوكراني، كما أنه لا يحفظ ماء وجه الأطراف المعنية (روسيا وأوكرانيا والاتحاد الأوروبي) التي لطالما تمسكت بمواقفها المبدئية على حساب المصالح وفق حديث هاران.

ويشير المتحدث نفسه إلى أن نتائج قمة النورماندي لن تكون مع الزمن “إلا مقدمة لانفراج أوسع فيما يتعلق بقضايا أخرى تصب في المصالح على حساب المبادئ هذه المرة، وهذا ما قد تكشف عنه الأسابيع المقبلة”.

المصدر : الجزيرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.