البطاقة التمويليّة… مُحاولة للإيقاع بين المُحتاجين والمُودعين!

في ظلّ إستمرار فشل السُلطة المُتناحرة والمُشرذمة، في مُعالجة المشاكل الهائلة والمُدمّرة المُتراكمة التي يُعاني منها لبنان، وفي ظلّ إستمرار الفشل في مُكافحة الفساد ووقف الهدر وعمليّات التهريب وتوفير ظروف إعادة دوران الدورة الإقتصاديّة، تُحاول حكومة تصريف الأعمال الهرب مُجدّدًا إلى الأمام، عن طريق مشروع “البطاقة التمويليّة” الذي تُسوّق له كبديل لوقف الدعم عن المُشتقّات النفطيّة على أنواعها وعن الأدوية وعن الطحين وعن بعض السلع الأساسيّة الأخرى. فهل فعلاً هذا الأمر سيُشكّل حَلًّا؟.

بالتأكيد كلا، والأسباب مُتعدّدة، ويُمكن إختصارها بما يلي:

أوّلاً: إنّ إستمرار الإنهيار المالي الحاصل، يعني أنّ إرتفاع قيمة سعر صرف العُملات الأجنبيّة في مُقابل العملة الوطنيّة سيستمرّ طالما الحلول الجديّة غائبة. وستستمرّ بالتوازي مُشكلة فقدان القيمة الشرائية للرواتب، وهذا يعني أنّ أيّ زيادة في قيمة الراتب بالليرة، وأي مُساعدة ماليّة مَقطوعة، ستفقدان قيمتهما خلال أشهر قليلة، لنعود إلى المُشكلة نفسها!.

ثانيًا: إنّ مشروع “البطاقة التمويليّة” كما تحدّث عنه رئيس حُكومة تصريف الأعمال أخيرًا يفتقد إلى أيّ خطة تمويليّة، والتعويل على مُساعدات خارجيّة هو ضرب من الوهم، لأنّ أي دولة في العالم لن تُعطي الأولويّة لإغاثة الشعب اللبناني على حساب شعبها، حيث تُعاني شُعوب العالم كافة من ضائقة ماليّة واضحة، بسبب تداعيات وباء “كوفيد 19” على إقتصادات العالم أجمع.

ثالثًا: إنّ اللجوء إلى إستخدام ما تبقى من إحتياط إلزامي للمصارف لدى مصرف لبنان، يُمثّل مُحاولة خبيثة للإيقاع بين شرائح من المُجتمع اللبناني مُصنّفة في خانة الفُقراء والمُحتاجين من جهة، وشرائح أخرى من المُجتمع اللبناني تملك ودائع ماليّة في المَصارف، علمًا أنّ هذه الودائع تُمثّل لمالكيها “جنى عُمرهم” المَسروق! وبالتالي، بدلًا من وضع خطة للشُروع في إعادة الأموال المُحتجزة في المصارف، إلى أصحابها ولوّ بشكل تدريجي وعلى مدى سنوات، تعمل السُلطة السياسيّة على إستهلاك ما تبقّى من هذه الأموال، بعد أن إستهلكت الجزء الأكبر منها خلال السنوات القليلة الماضية، لتمويل مصاريفها الهائلة وغير المُرتكزة إلى أيّ دراسات إقتصاديّة وعلميّة، ناهيك عن صفقات الفساد والسمسرات والسرقة، إلخ!.

رابعًا: تراهن السُلطة على أنّ الضغط الذي سيُولّده وقف الدعم في الشارع اللبناني، بعد التلويح برفع أسعار البنزين والمازوت والأدوية وغيرها إلى أسعار خياليّة، سيُؤدّي إلى تأييد أغلبيّة الشارع اللبناني لتمويل “البطاقة التمويليّة” من أيّ مصدر كان، حتى لو كان من آخر أموال المُودعين. وهي تراهن أيضًا على أنّ فئة المُودعين لن تكون قادرة على وقف هذا المنحى، باعتبار أنّ هذه الفئة لم تُحرّك ساكنًا أمام تطبيق “هيركات” يتجاوز الثلثين على ودائعها بالدولار، ولا أمام تبخّر قيمة ودائعها بالليرة. بكلام آخر، فضّلت الحكومة المُستقيلة إرضاء الفئة المُحتاجة والفقيرة على حساب فئة أصحاب الودائع، علمًا أنّ قُسمًا كبيرًا من أصحاب هذه الودائع كان حتى الأمس القريب يُعتبر مُنتميًا إلى الطبقة المُتوسّطة، لكنّه لم يعد كذلك في المرحلة الأخيرة!.

خامسًا: إنّ مدّ جزء من اللبنانيّين بمُساعدات ماليّة شهريّة، بالتزامن مع رفع الدعم، وبالتالي مع إرتفاع كل الأسعار بشكل جُنوني، سيجعل الفئات التي كانت بالكاد تنجح في تأمين الحدّ الأدنى من معيشتها شهريًا، تسقط بدورها تحت وطأة الفقر والعوز، لأنّ دخلها سيُصبح أقلّ من تلك التي ستنال مُساعدات ماليّة، بينما هي لن تنال شيئًا، وستتحمّل كما غيرها وزر الإرتفاع الجُنوني المُرتقب للأسعار!.

سادسًا: إنّ مسألتي المَحسوبيات وسوء الإدارة في تحديد الفئات التي تحتاج إلى مساعدات مالية، لا تزال محلّ شكوى وإعتراض منذ سنوات. ومع تحريك مَشروع “البطاقة التمويليّة” والطلب من الناس التسجيل على منصّة خاصة بهذه المُساعدات المَوعودة، قُمت شخصيًا بتسجيل إسمي، ليس لأتقاضى مُساعدة، بل لأهداف محض صحافيّة، وتحديدًا لمعرفة كيفيّة تعاطي المسؤولين والمُوظّفين عن هذا الملف مع الناس، لجهة طبيعة مُتابعة طلبات الإنتساب، ونوعية الأسئلة التي تُطرح على المُنتسب، ومدى جديّة التحقيق الذي يُجرى لمعرفة ما إذا كان صاحب الطلب فقيرًا فعلاً أم مُحتالاً ودجّالاً، إلخ. وبصراحة، وعلى الرغم من مُرور أشهر طويلة على تقديمي شخصيًا هذا الطلب، لم تتواصل معي أيّ جهة، وكأنّ شيئًا لم يكن، الأمر الذي زاد من شكوكي في مدى عدالة توزيع هذه المُساعدات، حيث يتردّد في الأوساط الشعبيّة عن تدخّلات سياسيّة وعن محسوبيّات حزبيّة وعن أفضليّات طائفيّة ومذهبيّة، إلخ.

في الخُلاصة، وإنطلاقًا من كل الأسباب الواردة أعلاه، إنّ مشروع “البطاقة التمويليّة” كما هو مطروح حاليًا، وكما هي مصادر تمويله المُقترحة، لا يُمثّل حلاً، وهو بالتأكيد ليس بديلاً عن رفع الدعم. وما يحصل مُحاولة غير مقبولة للإيقاع بين المُواطنين اللبنانيّين، وهروبًا جديدًا للسُلطة إلى الأمام!.

 

ناجي س. البستاني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.