بري في نهاية الجلسة النيابية: لضرورة مضي رئيس الحكومة المكلف قدما وفق الاصول الدستورية بالتشاور مع رئيس الجمهورية من أجل تشكيل الحكومة

بعد مناقشة رسالة رئيس الجمهورية، قال الرئيس نبيه بري

“لقد اتخذ المجلس الموقف التالي: استنادًا إلى النص الدستوري حول اصول تشكيل الحكومة وطريقة التشكيل ولمّا لم يرد أي نص دستوري آخر حول مسار التكليف واتخاذ موقف منه وبما أن فخامة الرئيس قام باستشارات ملزمة وبعد اطلاع رئيس المجلس النيابي أتت نتيجتها تكليف الحريري تشكيل الحكومة وباعتبار أي موقف يطال التأليف يتطلب تعديل الدستور، ولأن مقدمة رسالة فخامته تشير بوضوح الى فصل السلطات وتعاونها يؤكد المجلس النيابي على ضرورة المضي قدمًا من قبل رئيس الحكومة المكلف بتشكيل حكومة جديدة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية”.

وكان الرئيس بري قد ترأس في قصر الأونيسكو، في حضور عدد كبير من النواب، الجلسة المخصصة لمناقشة الرسالة التي وجهها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بعدما استمع المجلس أمس الى نص الرسالة.

وقائع الجلسة

بري

الرئيس بري قال في كلمة ألقاها في مستهل الجلسة النيابية: “ونحن ما نحن فيه. لا بد من أن ننهض ونفرح بما هو لنا والينا: من نصر لفلسطين بمقاومة غزة هاشم، وقدسها وشيخ جراحها. وذكرى مجيدة لمقاومتنا الذي تجسد عيد تحرير في 25 ايار. فكيف لهذا العلى أن يطفأ في بلد الاشعاع؟ اما آن لهذا اللبنان ان يكون بمستوى ابنائه؟ الوحدة ثم الوحدة أيها الاخوة والا ستذهب ريحنا”.

رعد

رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد أشار الى أن تأخير الحكومة فيه تفويت وهدر لمصالح الوطن في أكثر من اتجاه والاتفاق هو المدخل الحصري لتشكيل الحكومة وهو فعل مسؤولية وطنية ويتيح للحكومة ان تنجز ولموقفها ان يكون أقوى.
أضاف: “يمكن تشخيص الحد الأدنى المطلوب لسير الحكومة والأولويات التي تحتاجها البلاد هي شاخصة ومحددة وينبغي أن يكون مفهوماً ان كلفة عدم الاتفاق الآن هي أعمق بكثير مما نتوقع”.
وأكد رعد أن في الأزمات ليس متاحاً أن يحصل كل طرف على كل ما يريد او ان يتنازل شخصٌ عن كل ما يريد والمطلوب ان نحدد الأوليات للتوصل إلى تشكيل حكومة لفترة زمنية تمكنها من حل الأزمة وتنظيم الانتخابات النيابية المقبلة.

السيد

من جهته، قال النائب جميل السيد: “لو لم يكن رئيس الحكومة المكلف نائباً لما أمكننا دعوته للحضور لأنه لا يمكننا استدعاء رئيس حكومة مكلف دستورياً قبل جلسة الثقة وقبلها أرسل لنا رسالة الرئيس عون لمحاسبة موظف”.
ورأى ان حل أزمة الحكومة يكمن بين الرئيسين وبالدستور لا يمكننا كمجلس التدخل بينهما ولا يمكننا لعب دور أبو ملحم.
وتابع: “فلنهرب من الشعب إلى الشعب قبل ان نهرب منهم ولذلك أقترح على المجلس أن يصدر توصية بإقرار قانون انتخابي أو اعتماد القانون الحالي وأن يحل المجلس نفسه وتدعو الحكومة إلى انتخابات نيابية بمهلة شهر”.

ابو الحسن

بدوره قال النائب عضو كتلة اللقاء الديمقراطي هادي أبو الحسن: “كم كنا بحاجة لنتحاور حول أفضل السبل لإنقاذ ما تبقى من دولة لم يبق منها سوى هيكل مهترئ ومتاريس سياسية وجدران طائفية فيما أصبح المواطن المظلوم هو الضحية.
اضاف: “رئيس الجمهورية باقٍ في موقعه حتى نهاية ولايته ورئيس الحكومة المكلف مستمر بمهمته استناداً الى تسميته من قبل أكثرية نيابية واضحة فلا يجوز البحث في سحب التكليف منه وبالتالي لا يمكن لأحدٍ ان يتجاوز أحداً”.

سعد

اما النائب اسامة سعد فقال: “القضية سياسيّة قبل أن تكون دستوريّة أو أيّ شيء آخر”.
اضاف: مطلب التغيير السياسي والتغيير الشامل باتا مطلبان وطنيان ملحان لاستقلال الدولة ودور المجلس واجبٌ يفسح المجال للانتقال إلى جو سياسي ديموقراطي جديد ولتخصص جلسات عامة ليتم فيها النقاش ليصار إلى اتفاق وطني على الأمور المفصلية.

الصمد

النائب جهاد الصمد قال: لم ينص الدستور اللبناني على صلاحية للمجلس النيابي في تفسير الدستور لكنه نص على حق المجلس بتعديل الدستور وجلسة اليوم لا تسمح لنا بتفسير الدستور لذا لن أتطرق إلى الجدل البيزنطي حول من يؤلف الحكومة.

فرنجية

الى هذا، قال عضو كتلة التكتل الوطني النائب طوني فرنجية: “ندعو للترفع عن كل الحسابات الضيقة وليس الوقت للتفكير بكيفية استنهاض الشارع الطائفي اليوم علينا البحث بكيفية تأليف حكومة تواكب التطورات الراهنة”.
اضاف: “أمام الجو المشحون في البلد والتشنجات ندعو الجميع للوقوف وقفة وجدان والإصغاء إلى الضمير الوطني والابتعاد عن المناوشات السياسية التي تزيد الأمور تعقيداً”.

باسيل

أكد رئيس تكتل لبنان القوي النائب جبران باسيل، في خلال كلمة في جلسة مناقشة رسالة رئيس الجمهورية، أن “بالاولوية من كلمته هي حث رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري على التشكيل، وليس لسحب التكليف منه، والهدف هو الاسراع بتشكيل حكومة لتنفيذ اصلاحات”.
ولفت الى أنه “لا يمكننا أن نضع برنامجا اصلاحيا كاملا اذا لم يكن هناك حكومة، والاصح أنه لا استقرار سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا في البلد اذا لم نؤلف حكومة، ولا نقاش في هذا الموضوع. كما لا نقاش على أن رئيس الحكومة المكلف هو الحريري، وهذا الامر سلمنا به منذ البداية، بغض النظر عن موقفنا منه. كما أننا لم تطرح اشكالية ميثاقية عليه بسبب الظروف الاستثنائية”.
وشدد على أن “الهدف هو حث الحريري على التشكيل ولا شيء آخر”، موضحا أن “الموضوع ليس طائفيا ولا أحد يمكنه أخذه بهذا الاتجاه، بل يمكننا وضعه في خانة الميثاقي الدستوري”، وتابع: “الازمة يمكن أن تكون أزمة نظام ودستور، وهذا الامر لا يمكن أن يحله الحريري وحده أو رئيس الجمهورية، أو أي كتلة نيابية وحدها”، وشدد على أن “الأزمة تحتاج الى مجلس النواب مجتمعا، بكتاب من رئيس الجمهورية، وهو باستطاعته أن يقوم بشيء”.
وتابع: “الهدف من كلمتي ومن رسالة الرئيس ميشال عون ليس سحب التكليف من مجلس النواب لرئيس الحكومة المكلف، لأن هذه ليست الغاية، ولأن هذا تفسير وتعديل للدستور ومكانه ليس بهذة الجلسة، والأهم أنه لا يوجد أكثرية نيابية ترغب بهذا الشيء”.
وأكد أن “تأليف الحكومة له منهجية وسيخضع للميثاق، حيث لا يمكن لأحد إقصاء طائفة عن هذه العملية، ولا يمكن لطائفة احتكار تأليف الحكومة. وبمجرد أن رئيس الجمهورية لديه توقيع يضعه على مرسوم التكليف، بالتالي أي تفصيل في التأليف يخضع لموافقته، وهو ليس موثقا لعملية تشكيل الحكومة ولا مصدرا لمرسومها”.
وأشار الى أن “التأليف يخضع أيضا للقواعد والاعراف بتأليف الحكومة، أي أن الحكومة يجب أن نفكر بها مثل بناء له قواعد وأعمدة وسقف، قواعد الحكومة هي نوعيتها وعددها، وبات واضحا حكحومة اختصاصيين مهمتها الاصلاح عددها 24 وزيرا لاحترام الاختصاص والتمثيل اللازم والأعمدة هي توزيع الحقائب. نحن في بلد فيه حقائب مقسمة وهذه معروف أنها تتوزع على الطوائف بالتساوي والعدالة بين المكونات النيابية، وهذا أمر تقليدي معروف ليس وقت التلاعب به”.
وأردف: “السقف في تأليف الحكومة يتمثل بالأسماء، ولا يمكن وضعها الا بمعرفة كيفية توزيع الحقائب، والاسماء يتفق عليها عون والحريري أو تقدمها الكتل النيابية، بالمعايير المتفق عليها. ومن حق عون والحريري أن يوافقا أو لا. بعدها يتم إنهاء موضوع الاسماء”، وأشار الى أنه “هكذا تتألف الحكومة لا يمكن أن نضع الاسم من دون معرفة مذهبه أو من اقترحه. بالتالي أي هروب من اتباع هذه المنهجية هو عدم جدية أو رغبة او هروب من تشكيل الحكومة”.
وشدد على أن “رئيس الجمهورية له حق طبيعي بالاطلاع على هذا الموضوع بتفاصيله كافة، ليعرف الكتل المؤيدة لهذه الحكومة. وعندما يقدم الرئيس المكلف لائحة مفصلة، نتمكن من التوجه الجدي نحو التأليف”.
وأشار الى أن “السؤال البديهي الذي نسأله منذ 6 أشهر هو عن حصول رئيس الجمهورية على لائحة مفصلة فيها كل هذه الامور، لا رئيس الجمهورية تمكن من الحصول على هذه اللائحة ولا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي ولا حزب الله ولا الفرنسي ولا أي ساعي خير تمكن من الحصول من رئيس الحكومة المكلف على هذه اللائحة لنعرف أين هو الخلاف ونعالجه بشكل واضح”.
ولفت باسيل الى أنه “لا يمكن اتهامنا بالثلث المعطل، وقد قلنا إننا لا نريده، ورئيس الجمهورية قال منذ البداية اننا لا نريد الثلث المعطل في حكومة اختصاصيين”، موضحا “أننا سندعم الحكومة بكل خطوة اصلاحية ولا نعطل التأليف اذ أنه من مصلحتنا تأليف حكومة منتجة، ولا أعلم ما نستطيع فعله أكثر لتشكيل الحكومة”.
وختم باسيل: “دستورنا لا يضع المهل، وهذه مشكلة، ويجب تطوير الدستور من هذه الناحية للمحافظة عليه، وتقدمنا ككتل باقتراح تعديل دستوري متوازن ومنطقي”.

الحريري

رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري قال: “في الشكل، نحن امام رئيس للجمهورية يمارس حقا دستوريا في توجيه رسالة للمجلس النيابي، يطلب منه مناقشتها واتخاذ ما يراه مناسبا بشأنها. لكن في الحقيقة، نحن امام رئيس للجمهورية يقول للنواب: سميتم رئيسا للحكومة، انا لا اريده، ولن اسمح له بتشكيل حكومة، تفضلوا وخلصوني منه!
وأضاف: نعم يا دولة الرئيس، هذه هي الحقيقة، ببساطة ومن دون مواربة. اعلم اننا قرأنا جميعا ان هذه الرسالة تهدف إلى تبرئة ذمة فخامة الرئيس من تهمة عرقلة تشكيل الحكومة، شأنها شأن الرسائل المترجمة إلى لغات عدة والموجهة إلى عواصم اجنبية، لحماية بعض الحاشية والمحيطين والفريق السياسي من عقوبات يلوح بها الاتحاد الاوروبي مجتمعا او الدول كل على انفراد. لكن الحقيقة أبعد من ذلك التفصيل، والحقيقة ليست في الشكل بل في الأساس.
وتابع: نحن يا دولة الرئيس، امام رئيس للجمهورية يريد منا تعديل الدستور. فإذا لم نفعل، يريد تغيير الدستور بالممارسة من دون تعديل، وبانتظار ان يكون له ما يريد، يعطل الدستور، ويعطل الحياة السياسية في البلاد، والاخطر من ذلك، يعطل اي امل امام اللبنانيين بوقف الانهيار المريع الذي يعيشونه جميعا، في يومياتهم المالية والاقتصادية والمعيشية، لا بل في دولتهم ومؤسساتها.
نعم يا دولة الرئيس،
نحن امام رئيس للجمهورية اجّل الاستشارات النيابية الملزمة على امل ان يمنع النواب من تسمية سعد الحريري رئيسا للحكومة. وعندما لم يعد في يده حيلة، خاطب النواب مباشرة على الهواء، قبل الاستشارات الملزمة بيوم واحد، وناشدهم الا يسموا سعد الحريري. وعندما لم يمتثلوا لإرادته، ولم يجد في الدستور ما يمكّنه من الغاء ارادة المجلس النيابي، قرر تعطيل تشكيل الحكومة، وتعطيل الدستور، والبحث عن اي وسيلة للتخلص من رئيس الحكومة المكلف.
أولا، دولة الرئيس، الزملاء الكرام،
أولا، علينا ان نعترف ان فخامة الرئيس يمتلك تجربة كبيرة، لا بل باعا طويلا في التعطيل. من تعطيل تشكيل حكومات متتالية، لاشهر طويلة، اذكر منها على سبيل المثال، 11 شهرا لتشكيل حكومة دولة الرئيس تمام سلام، وكلنا يذكر “كرمال عيون مين”، وصولا إلى تعطيل تشكيل حكومتي الاخيرة 7 اشهر، نصفها لمنع وزير اضافي عن القوات اللبنانية، ونصفها الآخر في محاولة لمنع منصب نائب رئيس الحكومة عنها!
من تعطيل تشكيل حكومات، إذن، إلى تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية لأكثر من سنتين، كان خلالها الموقع الماروني الاول في نظامنا شاغرا، وصلاحياته في يد مجلس الوزراء برئاسة دولة الرئيس تمام سلام. كان يمكنني في حينه ان اقول: حسنا، صلاحيات الموقع الماروني الاول باتت في يد مجلس الوزراء برئاسة الموقع السني الاول، فليبق الامر كذلك، ولاطول مدة ممكنة! لكنني قررت انا شخصيا، انهاء الشغور، ومنع الفتنة، فقمت بعدة مبادرات، من ترشيح الصديق سليمان بك فرنجية، وصولا الى انتخاب فخامة الرئيس ميشال عون رئيسا للجمهورية، واعادة الموقع والصلاحيات إلى مكانهما الصحيح في نظامنا ودستورنا. أقول هذا الكلام انعاشا لذاكرة من يزعم ان سعد الحريري ينوي الاعتداء على حقوق المسيحيين، وعلى رأسهم فخامة رئيس الجمهورية!
وبمناسبة الحديث عن حقوق الطوائف والميثاقية، لم اجد فخامة الرئيس ميشال عون منزعجا من تكليف رئيس للحكومة الأخيرة، باصوات قلة فقط من الزملاء السنة، ومع كل محبتي ومودتي لهم،رؤثم بتشكيلها بثقتهم وحدهم، علما انه في المقابل لم يجد اي مانع في ان يسمي رئيسها وزراء من المسيحيين. على كل حال، أطال الله بعمر غبطة البطريرك الراعي وقداسة البابا فرنسيس، ليشهدا من هو المتمسك الحقيقي بالمناصفة والشراكة الكاملة وبحقوق المسيحيين وبقائهم في وطنهم وارضهم، في لبنان…
وتابع الحريري يقول: اذن، دولة الرئيس، الزملاء النواب، القرار كان ويبقى تعطيل تشكيل الحكومة، واستخدام الوقت المستقطع لتهشيل سعد الحريري ودفعه إلى الاعتذار، فقط، لأن فخامة الرئيس لا يريد الاعتراف بإرادة المجلس النيابي.
فإذا كان الكلام المسيء، على لسان المصادر والحاشية لا يكفي، يسرب عن طريق الخطأ المدروس شريط فيديو يصف فيه الرئيس المكلف بما يعرف انه ابشع نعت على مسامعه.

واذا لم يكف ذلك، نخاطبه بدونية مدروسة، عن طريق رسالة يحملها درّاج، ونستدعيه إلى رئاسة الجمهورية عبر كلمة متلفزة، وكأن الهاتف لم يعد يعمل في بلدنا!
وطوال 7 اشهر، نضع الرئيس المكلف امام معادلة مستحيلة: إما أن تشكل الحكومة كما يريدها فريق رئيس الجمهورية السياسي، منتحلا ارادة فخامته وزاعما ان لا مطلب له، وإما لا حكومة.
وهنا، دولة الرئيس، الزملاء الكرام، أريد أن اكون واضحا وضوح الشمس:
لن اشكل الحكومة كما يريدها فريق فخامة الرئيس، ولا كما يريدها اي فريق سياسي بعينه.لن اشكل الحكومة إلا كما يريدها وقف الانهيار ومنع الارتطام الكبير الذي يتهدد اللبنانيين في أكلهم وصحتهم وحياتهم ودولتهم.
دولة الرئيس، الزملاء النواب،
هل من داعي للتذكير بما كان يمكننا ان نأمل انجازه، لو اطلق فخامة الرئيس سراح التشكيلة الحكومية قبل 7 أشهر، او حتى 6 اشهر؟
اما كنا قد تقدمنا كثيرا في التدقيق الجنائي في مصرف لبنان وبدأناه في سائر وزارات الدولة ومؤسساتها؟ أما كنا أنجزنا الاتفاق مع صندوق النقد الدولي واطلقنا ورشة الاصلاحات؟ اما كنا قد بدأنا اعادة اعمار ما دمره انفجار الرابع من آب المريع في بيروت؟ اما كانت الصناديق الممولة بدأت دعمها لإنتاج الكهرباء؟ اما كانت العملة الوطنية قد استقرت على سعر صرف موحّد ومعقول تجاه الدولار؟ اما كانت البطاقة التمويلية سارية، للحفاظ على كرامة المواطنين في مقابل تخفيض تدريجي ومنظّم للدعم؟ لكن ما العمل، ونحن في عهد يصر على تثبيت نفسه بطلا في اضاعة الفرص على نفسه وعلى لبنان واللبنانيين؟
لقد قلت منذ اليوم الاول، لقبولي لهذه المهمة الوطنية النبيلة والخطيرة في آن معا، وللتحديات الهائلة الماثلة امامنا، بأنني لن اشكل إلا حكومة اختصاصيين غير حزبيين كفوئين ونزيهين قادرين على القيام بالاصلاحات المطلوبة لوقف الانهيار، والتي باتت تشكل شرطا مسبقا لأي دعم خارجي لا غنى عنه، والمفصّلة في خارطة الطريق التي باتت معروفة باسم المبادرة الفرنسية.
واسمحوا لي هنا ان افصّل هذه النقطة. منذ اليوم الاول لاندلاع احتجاجات اللبنانيين في تشرين الاول 2019، كان واضحا انهم لن يقبلوا بالعودة إلى طريقة ادارة البلاد السابقة، ومن ضمنها تعيين الازلام في مواقع وزارية، لمجرد انهم ازلام. ومنذ الاول من ايلول من العام الماضي، مع موافقة الكتل النيابية جميعا على مبادرة الرئيس الصديق إيمانويل ماكرون، بات واضحا ان المجتمع الدولي لن يساهم قرشا واحدا في وقف الانهيار ومنع الانفجار، طالما لم تشكل حكومة خارج معايير الاستزلام السابقة، وعلى اساس معايير الاختصاص والكفاءة والنزاهة، الضامنة وحدها لتنفيذ الاصلاحات المطلوبة والضرورية في آن معا.
والحقيقة، دولة الرئيس، الزملاء الكرام، الحقيقة ان الجميع وافق على هذه المعايير، باستثناء فريق رئيس الجمهورية، الذي يريد للرئيس المكلف ان يقبل اسماء يفرضها فخامة الرئيس في مواقع يفرضها فخامة الرئيس، وان يقبل بثلث معطل صريح او مقنّع لفخامة الرئيس وفريقه السياسي، وإلا فلا حكومة. هذا الامر لن يحصل. النص الدستوري يؤكد بوضوح ان الحكومة تعتبر مستقيلة في حال استقال رئيسها او استقال اكثر من ثلث اعضائها. وبالتالي، فإن اكتساب رئيس الجمهورية الثلث المعطل يعطيه القدرة على “إقالة الحكومة” في تعديل دستوري مقنّع.
ناهيك عن ان الثلث المعطل يمكنه منع مجلس الوزراء من الانعقاد بحجب النصاب، كما حصل بعد حادثة قبرشمون، حين كان 19 وزيرا في قاعة مجلس الوزراء ينتظرون انعقاده، بينما كان 11 منهم يحتجزون النصاب في مقر وزارة الخارجية، الامر الذي شل مجلس الوزراء لأكثر من شهر في حينه. ولا داعي بالتذكير بحجب النصاب مرات عدة ولفترات طويلة عن مجلس الوزراء في حكومة الرئيس تمام سلام.
تخيّل يا دولة الرئيس، تخيّلوا ايها الزملاء الكرام، مجلس وزراء غير قادر على الانعقاد، ومكلّف بالاصلاحات المهيبة المتفق عليها، وبمواجهة الانهيار المريع الذي نعيشه!
وآخر حيلة خرقاء للوصول إلى الثلث المقنع، هي بالقول انه لا يحق لرئيس الحكومة المسلم، ان يسمي وزراء مسيحيين…لمن يقول هذا الكلام التافه، اجيب: ان هذا الرئيس للحكومة… اللبناني، اللبناني، اللبناني… لا يريد ان يسمي اي وزير مسيحي، ولا اي وزير مسلم.
جلّ ما في الامر إنه يريد ان يسمي وزراء اختصاصيين، غير حزبيين، اكفاء، نزيهين، قادرين على القيام بالاصلاحات، ولن يقبل، كما يقول له الدستور، بأن يفرض عليه احد، اي اسم من الازلام الخارجين عن هذه المعايير.
ولسوء الحظ، دولة الرئيس، ان وزير الخارجية ذكرنا قبل ايام قليلة، ايا من الاخطاء الكبيرة، لا بل الخطايا المميتة، يمكن للازلام ان يرتكبوها!
هذا اذا كنا نسينا كل الفظائع، لا بل الجرائم التي ارتكبها الازلام في وزاراتهم المتعاقبة، التي أهدرت اموال اللبنانيين ومدخراتهم، وعتمت على عيونهم وقلوبهم، والمهازل التي يرتكبها الازلام في القضاء منذ ان افلتهم فريقهم السياسي للكيد وتصفية الحسابات والفتنة والابتزاز عوضا عن العدالة…
دولة الرئيس، الزملاء الكرام،
لا يكتفي فخامة الرئيس بتعطيل الحياة الدستورية ومنع تشكيل الحكومة، بل يزعم في رسالته إليكم ان رئيس الحكومة المكلف عاجز عن تأليفها، ومنقطع عن اجراء الاستشارات النيابية وعن التشاور مع رئيس الجمهورية! والحقيقة التي تعرفونها جميعا، انني قمت بكل ما يجب، واكثر، وتحملت ما لا يحتمل، للوصول إلى حكومة تبدأ بمكافحة الانهيار. فور تكليفي، قمت بالاستشارات النيابية، في هذا المجلس الكريم، مع الكتل النيابية والنواب المنفردين، وسمعت من بعضهم ارادة التعاون، وتصورا لبرنامج الحكومة وعملها، بينما سمعت من بعضهم الآخر انهم “لا يريدون شيئا، ولا تصور لديهم، وان ما اتوافق عليه مع فخامة الرئيس يكفيهم وهم سائرون به”. حرفيا!
قمت من بعدها، ورغم القنص المتقطع احيانا وتحت وابل القصف الكثيف احيانا اخرى من قبل فريق فخامة الرئيس، بزيارته 18 مرة، مؤكدا له استعدادي للتفاهم ضمن الاصول اللازمة لحكومة بالمعايير المعروفة والمعلنة. واكد لي ثلاث مرات موافقته على حكومة من 18 وزيرا، وفي نهاية درب المعاناة كله، وبعد استلهامي في مشروع التشكيلة للائحة الاسماء التي كان قد اعطاني اياها بيده شخصيا، قدمت له المشروع الذي اطلعت عليه الرأي العام من القصر الجمهوري، ولم يصدر صوت واحد يجد في هذه الاسماء شائبة، مبديا في الوقت نفسه استعدادي الدائم لاجراء التعديلات التي قد نتوافق عليها خدمة للمصلحة العامة.
وهنا لا بد ان اكشف لكم انه خلال هذه الجلسة نفسها، سألني الرئيس إن كنت قد حصلت على موافقة حزب سياسي معين على الاسماء، فأجبته بوضوح انني لم اسع للحصول على موافقة اي حزب ولم اعرض الاسماء على اي طرف، وأنني متأكد ان هذه الاسماء تلبي معايير البعد عن الحزبية من دون أن تعادي ايا من الاحزاب، التي لكتلها النيابية ان تدلي برأيها حسب الدستور، تحت قبة هذا المجلس الكريم، في جلسة الثقة.
دولة الرئيس، الزملاء الكرام،
نحن امام رسالة يوجهها فخامة الرئيس للمجلس النيابي، وفي ذلك بارقة امل بأن فخامته يعترف بالمجلس النيابي، لندعوه الى الاعتراف بأن المجلس النيابي انتخب رئيسا للجمهورية، وأن المجلس النيابي ايضا، سمى رئيسا للحكومة.
وعلّ هذا الاعتراف يشكل حافزا لفخامة الرئيس بأن يتفادى الاخلال بواجبه الدستوري، عبر الافراج عن دعوة الهيئات الناخبة للانتخابات الفرعية لملء المقاعد الشاغرة في هذا المجلس الكريم، والقابعة في ادراج فخامته منذ اكثر من شهرين. وفي المقابل، نحن امام رئيس جمهورية يستخدم حقه الدستوري بمخاطبة المجلس النيابي، للاعلان عن نيته مواصلة تعطيل الدستور، وتعطيل ارادة المجلس الدستورية، عبر تعطيل تشكيل الحكومة، لالغاء مفاعيل اختيار المجلس النيابي لشخصي رئيسا مكلفا لتشكيل الحكومة.
ولو اخذنا كلام فخامة الرئيس بحسن نية، من ان كل همه هو ضمان قدرة الحكومة على نيل الثقة، فالجواب واضح:
ان فريق فخامة الرئيس النيابي، اعلن بصراحة انه لن يعطي الحكومة الثقة. وهذا امر جيد، لا بل مريح ومرحب به. ما على فخامة الرئيس اذن إلا الافراج عن التشكيلة، لتذهب الحكومة إلى المجلس النيابي، فإذا فشلت في نيل الثقة، يكون قد تحقق له ما يريد، وتخلص من رئيس الحكومة، واعطى المجلس النيابي الفرصة الوحيدة التي يتيحها الدستور لإلغاء مفاعيل تسمية رئيس مكلف بتشكيل الحكومة.
وبالمناسبة، يقول دستورنا انه في حال فشلت الحكومة في نيل الثقة، فإن رئيس الحكومة هو من يعتبر مستقيلا، وليس فخامة رئيس الجمهورية معه، ما يزيد في تحميل الرئيس المكلف، منفردا، مسؤولية تشكيل الحكومة واختيار اعضائها وتوزيع حقائبها.
دولة الرئيس، الزملاء النواب،
نحن باختصار امام رئيس للجمهورية يصر على مخالفة الدستور بأن يحصر بشخصه منح الثقة للحكومة، بينما ينص الدستور على ان مجلسكم الكريم، علاوة على انه دون سواه من يختار الرئيس المكلف، هو الذي يمنح الثقة او يمنعها. وانا منذ البداية كنت راضيا بحكمكم، منحا او منعا، ولهذا آثرت الصبر حتى لا اكون شريكا في استباحة سلطاتكم الدستورية مثلما تستباح السلطات الأخرى.
وإن اكثر ما يحزنني ان فترة الفراغ الخطيرة التي يسأل عنها فخامة الرئيس في رسالته، ليست فراغا مطلقا، بل تمتلئ بالمعارك الدخانية، وتهديم المؤسسات، ومحاولات الفتن الطائفية والمذهبية، والمروق القضائي المبرمج، والفضيحة غير المسبوقة في الدبلوماسية، واستباحة ما تبقى من الاحتياط والتنكيل بالعملة الوطنية، كأنهم ما تعلموا شيئا ولم ينسوا شيئا، كما في المقولة الشهيرة.
أخيرا، من جهتي، فإني التزم امام مجلسكم الكريم، وامام الشعب اللبناني وامام الله، بأنني لن اكل، ولن امل، وسأواصل العمل على استقطاب الدعم، لمكافحة الانهيار، وفتح بارقة امل امام بلدنا وأهلنا الطيبين في كل ارجائه، وفي المغتربات.
كما اعلن في المقابل، انني لن استجيب للعنعنات الطائفية، ولست مستعدا لأكون شريكا في اي اخلال في التوازن الدستوري ولا في الاتزان الوطني، ولن اسهم في تسهيل المشاريع العدمية.
دعوتي الصادقة إلى فخامة رئيس الجمهورية، وفريقه السياسي، ان يكفوا في هذه السنة الاخيرة المتبقية من عهده عن محاربة طواحين الهواء، والخروج من الازقة الضيقة، التي علقوا فيها طوال خمسة اعوام، فأوصلتنا وأوصلتهم إلى هنا. إن لبنان يستحق محاولة جديدة، ويستحق طريقة أخرى، ويستحق نتيجة غير الفشل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.