الحُوت الأَزرق ولُعبة المَوْت الجماعيّ في لُبنان 

كُلّ ما يُجرى في لُبنان اليوم، قد يكون –إِلى حدٍّ كبيرٍ– شبيهًا بـ”لُعبة الموت” المُعتمدَة في تطبيق “الحوت الأَزرق” القاتل صاحبه والمُقوّض ركائز المجتمع. وتبدأ اللُعبة–في التّطبيق العاديّ المُتعارَف عليه، بمهمّةٍ يقوم اللاعب بتنفيذها في اليوم الأَوّل، ومِن ثمّ يُطلب منه أَن ينفّذها بإِتقانٍ حتّى يستطيع أَن ينتقل إِلى المهمّة التّالية، وتكون تلك الأَوامر في البداية بسيطةً ولا تحتاج إِلى مجهودٍ يُذكر… وصولًا إِلى الطّلب منه في آخر المطاف… أَن يقتل نفسه… أَي أَن ينتحر!.

وأَمّا بالنّسبة إِلى السّياسيّين عندنا، فثمّة تطبيقٌ خاصٌّ، تُعطى الأَوامر فيه ممّا وراء البحار، بيد أَنّ النّتيجة واحدةٌ وإِن تعدّدت الأَسباب: الموت غير الرّحيم!…

ولكنّ الفارق هُنا أَنّ الموت لا يقتصر على شخصٍ أو اثنَيْن فحسب، بل ويُشكّل انتحارًا جماعيًّا لطَبَقةٍ سياسيّةٍ حاكمةٍ، عن بكرة أَبيها!… 

وإِذا انتقلنا من النّظري إِلى التّطبيقيّ، ونظرنا بدايةً إِلى الوضع العام، فسنُلاحظ استمرار ارتفاع أَسعار الدّولار والسّلع في لُبنان، وغياب الأَدوية والمحروقات، وتقنينًا قاسيًا في الكهرباء، يصل في بعض المناطق إِلى 22 ساعةً… وكُلّ ذلك مِن دون أَيّ رقابةٍ أَو مُحاسبةٍ رسميّةٍ، ووسط مُناكفاتٍ سياسيّةٍ وتصعيدٍ في التّصريحات والتّصريحات المُضادّة، تَنعكس سلبًا على حياة المُواطنين، ما يُشير إِلى عدم وجود أَيّ حُكومةٍ أَو حُلولٍ قريبةٍ في الأُفق…

وفي المُقابل، ثمّة “طواحين” أَنباء مُتناقضة تمامًا، بين وسيلةٍ إِعلاميّةٍ وأُخرى، وفي الوقت نفسه، وكأَنّ المطلوب رفع منسوب “العصفوريّة” السّياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، على طُول البلاد وعرضها… إِذ ثمّة من يُوجّه “المتراكّاج الإِعلاميّة” على موقفٍ للبطريرك مار بشارة بطرس الرّاعي، مفادُه أَنّ البطريرك سأَل الأَحد الماضي: “أَيّ صلاحيّاتٍ تسمح بتعطيل مُؤسّسات الدّولة”؟… وتُؤخذ الجُملة من سياقٍ طويلٍ عريضٍ… للإِيحاء بأَنّ البطريرك ضاق ذرعًا بجهةٍ مُعيّنةٍ واحدةٍ في لُبنان، هي مَن سفك دم السيّد المسيح… وتزامُنًا، ترى وسيلةٌ إِعلاميّةٌ أُخرى أَنّ “كُلّ ما يُحكى أَو يتردّد عن مساعٍ أَو مُبادرة لرئيس المجلس النيابي نبيه  برّي، لم يُقابل بإِيجابيّةٍ مِن الرّئيس ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحر” النّائب جبران باسيل، بل سُدّت الأَبواب أَمام تحرُّكاته في شكلٍ عامّ ولم يلقَ ما يطرحه من تجاوبٍ وبحثٍ ومُناقشةٍ عمليّةٍ إِلى اليوم”… وتُعَنْوِن تزامُنًا وسيلةٌ أُخرى: “تعويلٌ على حركة برّي ووساطة الرّاعي”. فالمنطق في هذه الحال يقول: إِمّا تكون ثمّة حركةٌ لبرّي ووساطةٌ للبطريرك الرّاعي، وفي هذه الحال تنتفي أَسباب إِطلاق المواقف النّاريّة التّصعيديّة والنّعي المُسبق لوساطات الرّجُلَين لتقريب وجهات النّظر… وإِمّا الإِعلان عن فشل الوساطة وفي ذلك تعليلٌ لأَسباب الفشل، وعندها فقط، تكون الإِشارة بالإصبع إِلى المُعرقلين الحقيقيّين!… أَو أَن يكون في المسأَلة إِيعازٌ بنعي الوساطة، وإلقاء تبعاتها على الطّرف الآخر، في سياق التّعمية الإِعلاميّة و”القنابل الدُّخانيّة” المُموِّهة للحقيقة، والحاجبة لإِرادة تعطيل الوساطات، والإِبقاء على الأَزمة جرحًا مفتوحًا في النّسيج الوطنيّ والوجدان اللُبنانيّ، إِلى زمنٍ مُحدّدٍ، مِن قبل فريقٍ مُعيّنٍ، واتّهام الغير بالعرقلة!.

ومهما كانت الأَسباب والدّوافع إِلى إِبقاء الوضع المُتردّي على ما هو، فإِنّ الثّابت الوحيد أَنّ لُبنان اليوم يعيش، في السّياسة المُتَّبَعة، حال انتحارٍ جماعيٍّ، إِذ تلعب الطّبقة السّياسيّة الحاكمة أَو المُكلّفة الحُكم… لُعبة الموت الجماعيّ!. فمن يُعطّل ويتّهم الآخرين بالتّعطيل لن يسلم إِذا ما وقعت الواقعة، ومَن يُمارس النّأي بالنّفس فله حصّته من “ميراث الغضب”، ومَن يتمترس خلف أَبدان مُحازبيه في ولايةٍ أَنشأَها لنفسه سيخذله مُحازبوه “لأَنّ الجوع كافرٌ”، ومَن يُحرّض في الخفاء فريقًا على آخر لن يسلم هو بدوره من تبِعات السُّقوط الكبير، ومن يُؤثِر في ظلّ هذه المشهديّة كتابة خطاب قسمٍ مُعللًا نفسه برئاسةٍ مُبكرةٍ له على طبقٍ عربيٍّ مِن فضّةٍ، فإِنّه سيكون أَوّل السّاقطين… و”هُناك يكون البُكاء وصريف الأَسنان”.

 

رزق الله الحلو

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.