“المرأة في النافذة” فيلم التشويق والأثارة

من عشاق السينما من يبحث عن الأفلام الغريبة التي ترفع نسبة الأدرينالين، فيعيش معها حالة من التشنج والإثارة، وغالباً ما يميل هؤلاء إما إلى أفلام «الأكشن» وإما إلى أفلام الرعب التي تعتبر صاحبة النصيب الأكبر في إقبال الشباب عليها.

وأفلام الرعب تعتمد كثيراً على «الرعب المجاني»، أي أن الهدف الأساسي من الفيلم يكون إثارة الذعر في نفوس المشاهدين بلا منطق وبلا قصة حقيقية، لكن بعض الأفلام يسلك طريقاً مختلفاً، ليقدم وجبة جيدة تغري الجمهور من كل الفئات، حتى هؤلاء الذين لا يحبون أفلام الرعب؛ لأنه يحاكي العقل بقصة مقنعة وأحداث تشد الجمهور بذكاء، تماماً مثلما يفعل فيلم «المرأة في النافذة» أو «ذا وومان إن ذا ويندو» الذي يحبس الأنفاس منذ المشهد الأول وحتى النهاية.

تصنيف الفيلم للفئة العمرية من 18 وما فوق ليس بسبب وجود مشاهد مخلة فيه، فهو من هذه الناحية آمن جداً، لكنه يتضمن عنفاً لا يُنصح بمشاهدته من قبل الأطفال. العنف محصور بالمشاهد المتعلقة بالجريمة، لكن التشويق والغموض والتوتر ممتدة بلا أي استراحة طوال ساعة و40 دقيقة، وهنا تبرز براعة المخرج جو رايت في تقديم رواية الكاتب الأمريكي «آي جي فين» (اسمه الحقيقي دانيال مالوري) الصادرة عام 2018 بنفس العنوان، وأعاد كتابتها سينمائياً تريسي ليتس، والفيلم من أعمال «نتفليكس» الأصلية.

منذ اللحظة الأولى يركز المخرج على النوافذ، ففي بيت الطبيبة النفسية آنا فوكس (إيمي أدامز) في مانهاتن نوافذ كثيرة وكبيرة تطل على الشارع وعلى بيوت الجيران المقابلة. وآنا المصابة برهاب الخلاء، أي الخوف المرضي من الخروج من المنزل إلى أي مكان مفتوح حتى ولو خطوة واحدة أمام منزلها، لا شيء تفعله سوى مراقبة الناس في الشارع والجيران من نافذتها، ومشاهدة الأفلام الأمريكية القديمة (زمن الأبيض والأسود)، ومن بينها فيلم «النافذة الخلفية» (1954) لألفريد هيتشكوك، وهو طبعاً سيد أفلام الرعب والجريمة. وتتقاطع بعض أحداث حياة آنا مع ما تعيشه بطلة «النافذة الخلفية»؛ حيث تشاهد جريمة قتل من خلف نافذتها، أو يخيل إليها أنها جريمة، وهي الحيرة التي نعيش فيها نحن أيضاً كمشاهدين إلى أن نكتشف الحقيقة في الربع الأخير من الفيلم. وربما لهذا السبب لم يغيّر جو رايت عنوان فيلمه ليبقى مربوطاً إلى حد ما بفيلم هيتشكوك فيعيد تذكيرنا به.

عشرة شهور عاشتها آنا في عزلة ترفض استقبال أحد، لا يزورها سوى طبيبها النفسي كارل، تعاني من اضطرابات وقلق وخوف، وفي نفس الوقت تخفي عن طبيبها أنها لا تلتزم بالعلاج بل تشرب الكحول، وهو ما ينعكس سلباً على حالتها النفسية، وربما يسبب لها بعض التهيؤات، وتختلط عليها الأمور بين ما يحصل في الواقع وما هو من صنع خيالها.

إيمي أدامز مختلفة وفي مكانها المناسب، الدور يستفز موهبتها فتُخرج أفضل ما لديها، على عكس فيلمها الماضي «هيلبيلي إليجي» الذي بدت فيه باهتة. أدامز ليست الوحيدة المميزة في هذا الفيلم، فبجانبها جاري أولدمان وجوليان مور وجينيفر جيسون لي والشاب الموهوب فريد هيشينجر. ميزة الفيلم أنه لا ينشغل بجريمة القتل التي تحصل بقدر تسليطه الضوء على نقطتين مهمتين: العوامل النفسية وتأثيرها على الإنسان من جهة، ونظرة الناس للمريض النفسي من جهة ثانية، إذ يشكك الجميع بأقواله، حتى رجال الشرطة والمحققين يرجحون فوراً كفة عدم تصديقه، باعتبار أن ما يراه أو يقوله هو بفعل تأثير العوامل النفسية والأدوية عليه، والتي أوصلته إلى مرحلة الهلوسة. آنا تسمح لجارها المراهق ابن ال 16 عاماً بدخول منزلها بعدما حمل إليها هدية صغيرة عبارة عن علبة من زهور اللافندر، كعربون تعارف من والدته. إيثان راسل (فريد هيشينجر)، يبدو متوتراً حزيناً بسبب انتقاله مع عائلته حديثاً إلى مانهاتن.

تتفهم قلقه آنا باعتبارها طبيبة نفسية تعالج الأطفال، وتطلب منه زيارتها كلما احتاج إلى مساعدة. وفي ليلة «الهالوين» تستقبل رغماً عنها أيضاً امرأة (جوليان مور بدور ثانوي) تحسبها جاين راسل والدة إيثان؛ لأنها رأتها من النافذة في الشقة المقابلة حيث تقيم عائلة راسل. تتسامران وتضحكان وفي الليلة التالية ترى آنا مشادة بين جاين وابنها وزوجها أليستر راسل (جاري أولدمان) تنتهي بمقتل المرأة. تتصل على الفور بالشرطة التي تحضر فلا تجد جثة ولا دماء ولا أي أثر لجريمة، بل تنقلب الأمور على آنا حيث يدعي أليستر راسل عليها بأنها متطفلة، وتتسبب بإزعاج الأسرة، وتحاول إغواء ابنه المراهق.

ذكاء شديد يقلب المخرج المشهد فينتقل الشك من المحققين (بريان تيري هنري وجانين سيراليس) اللذين يرفضان تصديق كلام آنا باعتبارها «مهلوسة» ومضطربة نفسياً، إلى المشاهدين الذين بدورهم يشعرون بأن ما تراه البطلة هو نتيجة طبيعية لمرضها النفسي وتهربها من تناول العلاج والالتزام به، خصوصاً أن آنا نفسها تعترف بذلك، حين تواجهها المحققة بأنها لم تنفصل عن زوجها (أنتوني ماكي) ولم يأخذ ابنتهما التي لم تتجاوز 8 أعوام (ماريا بوزمان) معه، كما توهم آنا نفسها وكل من حولها، بل ماتا بحادث سيارة كانت تقودها هي.

رؤية مسرحية

هذا المشهد يقدمه جو رايت برؤية مسرحية غير تقليدية، حيث تقف آنا في بيتها وسط المحققين وعائلة راسل، فإذا بها ترى خلف باب الصالة سيارتها يوم الحادث بعد أن انقلبت من أعلى الجبل وسط الثلوج، وواجهت حقيقة ما حصل بتفاصيله، ثم عادت إلى الواقع.

لم ينتقل المخرج رايت بكاميرته بين مواقع تصوير كثيرة، بل حصرنا مع بطلته في معظم مشاهد الفيلم داخل بيتها المكون من طابقين وقبو استأجره فنان اسمه دايفيد (وايت راسل) ساعدها في مرحلة ما، قبل أن تكتشف سر علاقته بعائلة راسل. تشويق يستمر فلا يشعر المشاهد بأي ملل، ورغم كثرة التشكيك بكل ما يحصل في حياة البطلة، إلا أن المخرج والكاتب سارا بنا بسلاسة لنفهم كل الأحداث ونتلهف لاكتشاف الحقيقة ونتعاطف مع البطلة ونسعد بالنهاية التي تفاجئنا، خصوصاً بعد تصاعد الأزمة ووصولها إلى الذروة، وبعد جولة من التوتر وإحساس البطلة بالاستسلام لتنهض وننهض معها مجدداً.

الفيلم إثارةً وتشويقاً أكثر منه رعباً، ينحاز للنظرة الفلسفية التحليلية، يصوّب أخطاء ترتكب بحق بعض المرضى النفسيين، ويدعوك إلى الثقة بالنفس بقوة، ومهما علت أصوات التشكيك بك من حولك، كما يدعوك للتفكير بعمق قبل الحكم على الأشخاص والأحداث وبالتالي الانخداع بالمظهر.

مارلين سلوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.