حين كان جعجع يشجع الجهاديين السوريين

ضُرب وأُهين عدد من المواطنين السوريين في أكثر من منطقة لبنانية، كردة فعل على مقتل باسكال سليمان، منسق حزب “القوات اللبنانية” في قضاء جبيل. بيد أن هذا الحزب كان من أشد المدافعين عن الوجود السوري في لبنان وعن الحرب الجهادية على الأقليات في سوريا.

لا أحد ينسى التحية المدوية التي وجهها رئيس حزب “القوات اللبنانية” السيد سمير جعجع، سنة ٢٠١٢: “تحيّة لك حمص! تحيّة لك إدلب! تحيّة لك درعا! تحيّة لحماه! والزبداني! ودير الزور! ولدوما والصنمين وجسر الشغور!”.

ذكر جعجع هذه الأماكن لارتباطها بأعنف المحطات في الحرب السورية آنذاك، فكان يدافع عن هذه الحرب ويعظم شأنها، ويشجع أسوأ مجرميها. وهو يعلم أن سنة ٢٠١١، حارب الغرب النظام الليبي بقصف مدفعي جوي مكثف، فكسره. وأن مقاتلي “القاعدة” وجدوا أنفسهم من دون عمل، فغادر المئات منهم ليبيا مع سلاحهم، ووصلوا إلى سوريا عن طريق الصحراء. فقال بعض الإعلاميين: “جاءت الحرب إلى سوريا”. ولا شك في أن جعجع فهم ذلك أيضا.

وفعلًا اندلعت الحرب السوريّة بعد بضعة أسابيع. وسرعان ما حلت الحركات الجهاديّة محلّ معارضة المفكرين والشعراء. فأطلق الغرب اسم “المعارضة السورية المعتدلة” على الجهاديين، مع العلم أنهم لم يكونوا كلهم سوريين.

أول حركة جهادية في الحرب السورية أطلقت على نفسها اسم “الجيش السوري الحر”.

لكن “الجيش السوري الحر” لم يكن جيشًا بل ميليشيا اضمحلت بعد سنة. ولم يكن حرًّا، إذ كان يُقتل فيه أي فرد يريد العودة إلى خدمة وطنه. ولم يكن سوريا بما أنه يعترف بطائفة واحدة، ويعادي الطوائف السورية الأخرى. وفيما كان يقتل الشيعي والعلوي والمسيحي، كان يقبل بأي عنصر جهادي غير سوري. إضافة الى ذلك، كان تمويله أجنبيًّا.

وسرعان ما اشتهر “الجيش السوري الحر” بمذابحه المتلفزة، وخصوصا ببطولة أحد رؤسائه، “أبو صقر” الذي أكل قلب جندي سوري أمام الكاميرا. ولم يحب أبو صقر طعم لحم هذا الشهيد، فبصقه. ثم نشر الفيديو.

وفي ٢٣ كانون الثاني ٢٠١٢، كشف الإرهابي محمد الجولاني وجود فرع لمنظمة “القاعدة” في سوريا، تحت اسمي “القاعدة في الشام” و”جبهة النصرة لأهل الشام”. وفي لغة الجهاديين، “الشام” هي لبنان وسوريا وفلسطين وإسرائيل والأردن مجتمعةً. إذًا كان محمد الجولاني ينوي اجتياح لبنان أيضًا.

كانت “النصرة” منظمة حديثة، لكنها أصبحت أهم منظمة جهادية في سوريا لأنها أغرت معظم عناصر “الحر”، فانضموا إليها. ولم تكن أقل وحشيّة من “الحر”، وكانت توثق جرائمها مثله، ثم تنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي. ولا يزال الشعب السوري يذكر تظاهرات “النصرة” في ولاية إدلب سنة ٢٠١٢. في إحداها، كان طفلا محمولا على الأكتاف يُلوح بسكين كبيرة وهو يرنم نشيد القاعدة: “مهلا يا علويي، بالذبح جيناكون، بلا اتفاقية”. ويردد الرجال وراءه.

وبعد ثلاثة أسابيع على إعلان تأسيس “القاعدة في الشام”، حيا سمير جعجع إدلب، معقل “القاعدة” في سوريا.

كما حيا جعجع درعا التي اشتهر متظاهروها بهتاف التطهير العرقي: “المسيحي ع بيروت، والعلوي عالتابوت”.

وحيا جعجع معقل “الحر” حمص، حيث كان أبو صقر، آكل اللحوم البشرية، يقاتل ويدير الجبهة.

وحيا جعجع جسر الشغور حيث ذبح “الحر” عددًا من رجال الأمن أمام الكاميرا، وقطع رؤوس بعضهم. وأخيرا رمى بأجساد هؤلاء الشهداء في نهر العاصي، ووزع الفيديوهات التي توثق جرائمه.

وحيا جعجع سائر أهم الأماكن التي كان الجهاديون قد استولوا عليها، وارتكبوا فيها الفظائع.

أهذه الطريق التي ينوي جعجع وضع لبنان على سكتها بخطاباته النارية؟.

لا أحد يتصرف هكذا إن لم تكن له غاية مريبة. وربما فضح السيد جعجع هذه الغاية سنة ١٩٨٤ حين قال: “لكني مسؤول في المسيرة الكونية. وأمنيتي أن أكون المسؤول الأول فيها”.

 

لينا المر نعمة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.