الجديد: الانتظار هو استهلاك آخر للطاقة ولقدرة اللبنانيين على الاحتمال

أشارت الجديد إلى أن رئيس الحكومة المكلف أصبح في حالة تريث في انتظار أن يعلن رئيس المجلس وفاة مبادرته وإقامة مراسم العزاء المهيب، وقالت في مقدمة نشرتها: هي ساعات العصف الفكري ما قبل إعلان الرئيس سعد الحريري نزع التكليف والعودة إلى صفوف الجماهير، ولم يسجل نهار الأحد أي ضربة في الحراك السياسي باستثناء “كلام على الورق” بايع فيه الحريري رئيس مجلس النواب، مطلقا معادلة: “إن سعد الحريري يعني نبيه بري، ونبيه بري أنا”، واضعا استقالته رهن التشاور مع “الأخ” نبيه. وبهذه الحالة فإن رئيس الحكومة المكلف أصبح في حالة تريث، في انتظار أن يعلن رئيس المجلس وفاة مبادرته وإقامة مراسم العزاء المهيب، ويدرك كل من الشاطر الوسيط والمشطور المكلف والكامخ المعطل بينهما أن لا شيء سوف يتغير وأن الانتظار هو استهلاك آخر للطاقة ولقدرة اللبنانيين على الاحتمال. فمنذ شهر تشرين الأول من عام عشرين عشرين والبلاد تتقلب على نار التكليف من دون أن يبلغ سن التكليف، وفي الشهر الثامن قرر الحريري إجهاض الجنين، وهو المتيقن أنه يقدم بذلك على أخطر العمليات التي ستودي “بالبلد والولد”. وتاريخ الحقبات السياسية القريبة يقول إن الحريري أكثر من يعرف جبران باسيل، وأن رئيس التيار لم يفاجئه بتصلبه وتعطيله وتربعه على عرش الأنا وتحصيل المكاسب، فلماذا لم يتخذ رئيس الحكومة المكلف قرار الاعتذار منذ الشهر الأول لظهور عوارض التعطيل؟ لقد سمي الحريري رئيسا مكلفا تشكيل الحكومة على ارتفاع ستة آلاف ليرة عن سطح الدولار، وبعد ثمانية أشهر كان الدولار يصعد سلالم الستة عشر ألفا، ويتهيب للمزيد على أسبوع طالع وواعد بالأسوأ. فلماذا جرى إهدار الوقت على اتخاذ قرار كان يمكن له أن يحسم في أرضه، أو على الأقل من لحظة ظهور العداء من بعبدا واتهام رئيس الجمهورية للحريري بأنه كاذب واستحالة المساكنة بين الطرفين؟ يتحمل المكلف مسؤوليات في التأخير وفي الرهان على “بضاعة خاسرة”، وهو كما المستوردين “خزن” الاستقالة في مستودعاته واليوم قرر رميها في سوق اهترأت من الانتظار. لا يحق للحريري “الزغل والزعل” والحرد والاعتكاف من دون تحمل المسؤوليات، كما سائر المشاركين في التعطيل. وإذا كان تكليفه قد جاء بناء على ثقة المجتمع الدولي به، فإن جزءا من اللبنانيين لم يكونوا قد تمسكوا بأهدابه لخبرته في إدارة الحكومات، أو لمهارته في تسيير أعمال الشركات، أو لضلوعه في وزارات الاختصاص والمهن الحرة، بل لأنه كان يشكل علامة لقيادة حكومة تسير على مندرجات المبادرة الفرنسية. ولما أشبعت هذه المبادرة ضربا لبنانيا منذ الشهور الأولى لإعلانها، فقد كان على سعد الحريري إعلان استسلامه باكرا والمغادرة “على ضو”، أما اليوم فالجميع في العتمة وكل يتحمل المسؤوليات ولا صكوك براءة لأحد، وغدا سيسجل التاريخ أن المكلف “رهن” البلاد أشهرا، يروح ويجيء، يسافر ويعود، وكان له أن يقدم على التنحي الرحيم ولم يفعل. أصبح البلد مخطوفا من أبنائه السياسيين المحبين، فيما أبناؤه المقيمون لا يملكون سوى إطلاق نداء استغاثة، سواء من محطة بنزين أو من صيدلية أو غيرها من مستلزمات الحياة. كل هذا ورئيس البلد يجلس مشرفا على إدارة النيران ويشعل الحطب من تحتها، يحكم بالعزف المنفرد، يوقع مراسيم ويستورد اجتماعات ويرتضي بأن تحيا حكومة تصريف الأعمال على تصريف الأعمار. أعطى رئيس الجمهورية لنفسه صكوكا من الصلاحيات التي لم يمتلكها أعتى رئيس ماروني على مر الجمهوريات، وارتاح إلى القلق والفراغ وخواء المؤسسات وإلى حال الفوضى التي ستحكم الربع الأخير من سباق العهد، هي شهوة الحكم والأنا القاتلة وسط غياب للمعارضة العاملة على استرداد الشعبية، وعلى رأسها القوات اللبنانية، والتي لا ترى من البلد المحروق سوى بضع محصول نيابي لزوم كرسي رئاسة الجمهورية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.