دياب قدم اوراق اعتماده بقيمة 500 الف يورو

نجح رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب، في تأليب الرأي العام ضدّه بشكل كامل، وهو الذي كان يحظى سابقاً بتأييد وتعاطف قسم من اللبنانيين رأوا ان ما تعرض له منذ وصوله الى السراي الحكومي كان فيه جزء كبير من الافتراء والتجني. ولكن، منذ تقديمه الاستقالة، بدا وكأن دياب قد تحول الى الشخصية الرئيسية للكاتب بوربرتلويس ستيفنسون “الدكتور جيكل والسيد هايد”، اذ تحوّل فجأة من شخصيّة مترفعة عن الزواريب السياسية ومستعدة لكشف كل من تآمر ضده وافشل مساعي الحكومة التي يرأسها (وهو كان هدد بكشف الكثير من الوثائق والادلة، ملمحاً الى مسؤولية رئيس تيار المستقبل سعد الحريري عن ذلك)، وغير مهتمة بالحياة السياسية ما بعد الاستقالة، والرغبة القوية في متابعة الحياة اليومية العادية، الى متلهف لتقديم اوراق الاعتماد الى الشخصية نفسها التي كان يتهمها (بشكل غير مباشر) بالعمل على افشاله واحباطه، فساد الوئام وانتقلت عدوى الشره السياسي الى الساكن الحالي للسراي ولو بفعل الاستقالة.

لم ينجح دياب لا في الشكل ولا في المضمون، ولا في التبريرات التي صدرت عنه وعن الامين العام لمجلس الوزراء، في اقناع اللبنانيين بأن ما قام به حول تسديد 500 الف يورو للمحكمة الدولية، نابع من الحرص على الحقيقة والعدالة، وقد ابتعد عنهما مسافة بعد جهنّم عن الجنّة. واذا قررنا التغاضي عن المسار القانوني الذي يجب ان يسلكه هذا القرار (وهو امر لم يحصل حتماً)، نسأل فقط في هذا المجال عن “المشروب السحري” الذي تجرّعه دياب ليختصر مجلس الوزراء بشخصه، وهو الذي اشتكى اكثر من مرة من ان دعوته المجلس الى الاجتماع لبحث امور حياتية واجتماعية مصيرية، هو مخالف للدستور، فإذا به اصبح هو نفسه الدستور! ويا ليته والامين العام للمجلس يضعان نسخة عن هذه المراسلات القانونيّة التي سلكت طريقها، امام الرأي العام.

اضافة الى ذلك، كيف يمكن الاقتناع بأن الدول التي تتخلف عن سداد حصّتها من المبالغ المالية الى المحكمة الدولية، هي نفسها التي اعطت هذه الهبة الى لبنان ليقدّمها باسمه من دون أيّ كلفة على الخزينة، فماذا ينفع ذلك؟ ومن سيسدّد حصة الدول الباقية؟ وهل حصة لبنان هي العائق امام استعادة المحكمة عملها؟ لماذا كان دياب هو الوحيد الذي لبّى نداء سعد الحريري لجهة تسديد الحكومة حصّتها الى المحكمة، فيما اشاح الحريري نفسه بنظره عن نداءات المحكمة. اليس رئيس الحكومة المكلّف  من سينقذ لبنان بفضل شبكة اتصالاته الدوليّة والمحليّة؟ اليس باستطاعته تشغيل هذه الشبكة لدفع الدول والمتموّلين اللبنانيين المشاركة في مبالغ ماليّة لتسديدها للمحكمة تأمينًا لاستمرارها، علماً ان المعني المباشر بالموضوع هو والده؟ هل بات دياب (العدوّ اللدود بالامس)، الوحيد القادر على المبادرة الى تسديد المبالغ وبالعملة الصعبة؟.

اما الهبة بحد ذاتها، من المهم معرفة كيفية وصولها الى لبنان، هل عبر متمولين بطريقة الـFresh money عبر حساب مصرفي؟ واذا كانت الحالة كذلك، كيف استقبلتها المصارف اللبنانيّة وباسم من كان الحساب وكيف يمكن التصرّف به؟ اما اذا كانت الهبة من خلال حكومة دوليّة او حكومات، فهل اتت عبر البنك الدولي او غيره؟ وهل هي مخصّصة بالاصل كمساعدات معيشية واجتماعية للبنانيين ام لا؟.

غريب امر دياب، وهو الذي صال وجال كي يوهمنا انّ همّه الاول تأمين الاموال للبطاقة التمويلية للبنانيين، فيما كان بامكانه تمويلها وبسرعة قياسية بفعل 500 الف يورو موجودة. ويبدو انه قرّر تقديم اوراق اعتماده الى الطائفة السنّية والحريري للدخول في الحياة السياسية بدل التفرغ للحياة اليومية العادية التي كان اعلن انه اشتاق اليها، بدل ايلاء الاولوية للبنانيين انفسهم، مع العلم ان احداً لم يكن سيتّهمه بالتقصير او التقليل من اهميّة المحكمة التي تخلّى عنها من انشأها. وبالمناسبة نسأل: كيف سيبرر دياب عدم دفع “اليوروبوند” وتأخر لبنان عن تسديد ديونه، فيما بامكانه الحصول على الهبات؟.

 

طوني الخوري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.