الدولار يتصدّر في زمن الفراغ… هل يطلق “شرارة” انتفاضة جديدة؟!

لا صوت يعلو فوق صوت الدولار، الآخذ في “التحليق” هذه الأيام، بوتيرة تكاد تكون “جنونية”، مع تسجيل معدّلات قياسية لا “تصمد” أكثر من بضع ساعات، قبل أن يأتي رقم جديد فـ”يكسر” الذي سبقه، في مشهد ترجِم إرباكًا حقيقيًا في العديد من القطاعات، بل في معظمها، وتجلّى انفلاتًا إضافيًا في الأسعار، بدا “متناغمًا” إلى حدّ بعيد مع ما يُحكى عن “دولرة” ستدخل حيّز التنفيذ في الأيام، أو ربما الساعات القليلة المقبلة، على كلّ المستويات.

هكذا، خطف الدولار مرّة أخرى كلّ الأضواء، رغم “زحمة” الملفات والاستحقاقات السياسية التي تزخر بها “الرزنامة اللبنانية”، بعد أسبوع حافل بدأ بما وُصِفت “زيارة مؤقتة” لرئيس تيار “المستقبل” سعد الحريري، لم تخلُ من الرسائل المباشرة والمبطنة إلى الداخل والخارج، وشهدت “استنفارًا دبلوماسيًا” على خط “جولة السفراء” التي استكملت لقاء باريس، من دون أن تنجح في إحداث أيّ “خرق” على مستوى الانتخابات الرئاسية المعلَّقة.

لكنّ الأسبوع الذي شهد أيضًا على “تعطيل” الجلسة التشريعية التي كان رئيس مجلس النواب نبيه بري يُعِدّ لها العدّة، وعلى رأس جدول أعمالها التمديد للمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، انتهى على خطاب “استثنائي” للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله قرع خلاله “طبول الحرب”، في سياق تحذيره من “المؤامرات”، ولا سيما “الفوضى” التي تخطّط لها الولايات المتحدة، عبر “جماعتها في لبنان”، وفق توصيفه.

ولعلّ المفارقة التي أثارت الانتباه في هذا السياق تجلّت في استذكار السيد نصر الله لمرحلة “17 تشرين” تحديدًا، حين “انتفض” اللبنانيون في وجه الطبقة السياسية التي أفقرتها، قبل أن يُحكى عن “سفارات” دخلت على الخط، فتفرغ “الثورة” من مضمونها، ليشهد البلد بعد ذلك على انهيار فاقم الأوضاع وزاد معدلات الفقر، فهل يكون خطاب “حزب الله” استباقيًا لـ”انتفاضة جديدة” قد يشعل الدولار شرارتها، وهو يقترب من عتبة المئة ألف ليرة؟!.

بمعزلٍ عن التحليلات السياسية، وما تنطوي عليه في المعارك المستجدّة على أكثر من خط، يرى كثيرون أنّ ما شهدته السوق الموازية خلال الأيام القليلة الماضية، وما سجّله الدولار من أرقام قياسية غير مسبوقة، يؤمّن “بيئة أكثر من خصبة” لانتفاضة حقيقية لا ريب فيها، بل إنّ الغريب برأيهم هو عدم حصول هذه الانتفاضة، بل تعامل اللبنانيين بعدم اكتراث مع تطورات سعر الصرف، فضلاً عن إطلاق النكات بشأنها، ولو وفق منطق “المضحك المبكي”.

يكفي في هذا السياق القيام بجولة “سريعة” على الأسعار التي سجّلتها “بورصة” مختلف القطاعات في اليومين الماضيين فقط، من المحروقات على سبيل المثال لا الحصر، التي جعلت مجرّد نزهة داخل المدينة الواحدة مكلفة، فكيف بالحريّ الانتقال إلى الجبال والقرى، مرورًا بالمطاعم التي “دولرت” بأغلبها أسعارها، حتى باتت “الوجبة الواحدة” تكلف زهاء المليون ليرة، في مطاعم لطالما كانت “مقصد” الطبقة المتوسطة، وربما ما هو أقلّ منها حتى.

ورغم أن هناك بين الخبراء الاقتصاديين من سعى للتقليل من شأن ارتفاع الدولار، باعتبار أنّه لا يزال يحافظ “نسبيًا” على المستوى نفسه منذ الأيام الأولى للأزمة، إلا أنّ ما اختلف هو “النسبة”، فزيادة بضع مئات من الليرة على سعر صرف يوازي 1500 ليرة في بدء الأزمة، لا يختلف عن زيادة بضعة آلاف مع تخطي السعر عتبة الـ70 ألفًا، إلا أنّ أحدًا لم ينجح في التقليل من “وقع” ارتفاع ما يزيد على 10 آلاف ليرة في غضون ساعات فقط.

واستنادًا إلى ما تقدّم، يعتقد كثيرون أنّ “انتفاضة” اللبنانيين على هذا الواقع يفترض أن تكون “تحصيلاً حاصلاً”، ولو أنّها تبقى “مؤجّلة” للكثير من الأسباب والاعتبارات، بعضها سياسيّ بطبيعة الحال، ربطًا بنظام “الزعماء” الحاكم، ولكن بعضها الآخر اجتماعيّ، مرتبط بحالة “اليأس” التي وصل إليها اللبنانيون، وكذلك “الإنكار” الذي يتمسّك به البعض، الذي بات يوحي بأنه لا يبالي بتغيّرات سعر الصرف، وكأنّه يعيش في جزيرة منعزلة.

إلا أنّ من يقرأ بعض المواقف السياسية في الأيام الأخيرة، ولا سيما خطاب الأمين العام لـ”حزب الله”، يدرك أنّ حالة “التأهّب والاستنفار” أعلِنت على أكثر من مستوى، ربما لـ”احتواء” أيّ حراك يمكن أن ينشب، بعدما باتت مقوّماته أكثر من متوافرة، علمًا أنّ السيد نصر الله استعاد في كلمته الأخيرة، أدبيّات ما بعد “حراك 17 تشرين”، ولكن بشكل “استباقي” هذه المرّة، وعلى طريقة “التلويح” بعدم القبول بأيّ “فوضى” كما حصل في السابق.

وفي حين يتفق مؤيدو “حزب الله” مع خصومه، على أنّ الشأن الاقتصادي لم يكن معزولاً عمّا تضمنه من تحذيرات وتهديدات، فإنّ المدافعين عن وجهة نظر الحزب يتحدّثون عن هواجس ومخاوف لديه، من وجود “نوايا” لاستغلال الوضع المأزوم لتحقيق بعض المكاسب، أو تسجيل النقاط، ولعلّ ما يخشاه بالدرجة الأولى، هو “مخطط” لتأليب جمهوره عليه، من بوابة الأزمة المعيشية، في محاولة لدفع هذا الجمهور للتخلي عن قيادته.

ويقول العارفون في هذا السياق، إنّ “حزب الله” يستشعر درجة عالية من الخطورة في هذا الاتجاه، وأنّ معطيات وصلته حول ما يتمّ التخطيط له في هذا الشأن، وهو ما دفع السيد نصر الله إلى التلويح جديًا بالمواجهة، علمًا أنّ حديثه عن مرحلة مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، وما حققه “التهديد بالحرب” من تغيير في قواعد اللعبة، يُفهَم في سياقه أيضًا على أنّه جزء من “الحرب النفسية”، لكنه ينطوي على “الجدية” في الوقت نفسه.

في النتيجة، تبدو الصورة العامة ضبابية على كلّ المستويات، فتهديد السيد نصر الله بالحرب، وتحذيره من الفوضى، لا يعني أنّ الفوضى أو الحرب سيناريو قائم بذاته، بقدر ما قد يعني العكس تمامًا، خصوصًا أنّ مثل هذا السيناريو ليس في صالح أحد، في زمن الفراغ القاتل. لكن، بين هذا وذاك، ثمّة حائط مسدود يصطدم به كلّ شيء، فانتخابات الرئاسة مقفلة، والتشريع معطّل، وبينهما الدولار يحلّق بلا أفق، فهل من مفرّ؟!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.