زيارة لودريان والحوار المنتظر… هل اقترب موعد “التخلي” عن فرنجية؟!

قبل وبعد جلسة الانتخاب الرئاسية الأخيرة التي حملت الرقم 12، تمامًا كما قبل زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان وبعدها، يتمسّك “الثنائي الشيعي” باللازمة نفسها: رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية هو المرشح الأكثر جدّية، بل الأوفر حظًا حتى إثبات العكس، طالما أنّه يتمتع بدعم كتلة “صلبة ومتجانسة”، بعكس جبهة “المتقاطعين” التي انقسمت على نفسها، حتى قبل انتهاء “المنازلة الأولى” في البرلمان.

استنادًا إلى ما تقدّم، يصرّ “الثنائي” على أنّ سليمان فرنجية لا يزال مرشحه، بل يوحي بأنّه بات متمسّكًا به أكثر من أيّ وقت مضى، ملمّحًا إلى أنّ النتيجة التي حقّقها في الجلسة الأخيرة عزّزت حظوظه، ولو حصل على حصيلة أصوات “أدنى” من حيث العدد من منافسه وزير المال الأسبق جهاد أزعور، وهو ما برّره نجل رئيس تيار “المردة”، النائب طوني فرنجية، بتشبيه أصوات الخصم بـ”اللولار”، التي تقلّ قيمتها عن “الدولار الفرش”، إن جاز التعبير.

لكن، ما بين جلسة الانتخاب وزيارة لودريان، ثمّة متغيّرات ينبغي التوقف عندها، فحماسة باريس لمبادرة “المقايضة” الشهيرة خفّت، بحسب ما فهم من التقوا لودريان، الذي أصرّ على أنّ زيارته “استطلاعية”، فيما الحوار المنتظر الذي يسوّق له، في مفارقة جديرة أيضًا بالاهتمام، “الثنائي” الداعم لفرنجية قبل غيره، يصطدم بـ”شرط” سحب اسم فرنجية من التداول، في سبيل فتح باب “الخيار الثالث”، بعد طيّ صفحة “المرحلة السابقة” بحلوها ومرّها.

وإذا كان “الثنائي” يردّ على هذه المقاربة، بالإصرار على أنّ الحوار لا يمكن أن يكون “مشروطًا”، فإنّ علامات استفهام “مشروعة” تُطرَح، فهل أصبح “الثنائي” في جو “التخلي” عن فرنجية، الذي يتعامل معه معظم المعنيّين بالشأن الرئاسيّ وكأنه “تحصيل حاصل”؟ لكن، ماذا لو صحّت التسريبات القائلة بأنّ هذا الاحتمال “غير وارد”، وأنّ “لا خطة باء” فعلاً لدى “الثنائي”، وأنّ الحوار الذي ينشده ليس إلا بهدف “إقناع” الآخرين بفرنجية؟!.

بالنسبة إلى خصوم رئيس تيار “المردة”، فإنّ مرحلة “ترشيحه” قد انتهت في جلسة الانتخاب الرئاسية الأخيرة، حين توافر له “المَخرَج المشرّف”، إن جاز التعبير، مع تحقيقه “الحدّ الأقصى” من الأصوات الذي يمكنه تحصيله، بل إنّ صفحته طُويت نهائيًا مع زيارة لودريان، الذي وإن تجنّب الغوص في الأسماء مع من التقاهم، كان واضحًا أنّه قفز فوق ما سُمّيت سابقًا بـ”المبادرة الفرنسية”، من أجل البحث بخيارات أخرى أكثر قابلية للتطبيق.

يقول هؤلاء إنّ تهليل داعمي فرنجية بما اعتبروه “انتصارًا” بعد جلسة الانتخاب لم يُخفِ حقيقة أنّهم أدركوا أنّ حظوظ الرجل تكاد لا تُذكَر، ولا سيما في ضوء عجزه عن “استقطاب” أيّ من الكتل المسيحية الكبرى، بل إنّ مشكلته أنّه استبق هذه الجلسة بـ”التصويب” على قادة الأحزاب الأساسيّة، ليسقط بالتالي “الرهان” على إمكانية تغيير موقف أيّ منهم، ولا سيما رئيس تكتل “لبنان القوي” الوزير السابق جبران باسيل، الرافض لما يصفه بـ”المرشح المفروض”.

ويشير هؤلاء إلى أنّ اندفاع فرنجية كما داعميه للدعوة إلى الحوار، مباشرة بعد الجلسة، دليل واضح على اقتناعهم بعدم القدرة على إيصاله بالعملية الانتخابية والديمقراطية، وإن حاولوا “التحايل” عبر رفض تقديم أيّ “ضمانات مسبقة”، علمًا أنّ الخصوم يصرّون على أنّ أيّ حوار لا يتوخّى البحث عن “خيار ثالث” لا قيمة له، إلا إذا كان المطلوب تكريس معادلة “فرنجية أو الفراغ”، والتي قد لا تكون عواقبها محمودة في ظلّ التأزّم الحاصل.

ويرى خصوم فرنجية أنّ زيارة لودريان الأخيرة جاءت لتعزّز هذا الواقع، حيث أجمع كلّ من التقوا الموفد الرئاسي الفرنسي على أنّ فكرة “المقايضة” الشهيرة لم تُطرَح، في حين انقسموا على “الخلاصات” بين من استنتج بلا تردّد أنّ فرنسا “طوت صفحة” مبادرتها بالمُطلَق، وبدأت البحث بخيار ثالث يتوافق عليه اللبنانيون، ومن رأى أنّها “تستمزج الآراء” ليس إلا، ملمّحًا إلى شعور بأنّها ما عادت “متحمّسة” لما نُسِب إليها، مفضّلة اعتماد “الحياد الرئاسي”.

فعلى الرغم من أنّ وزير الخارجية الفرنسي الأسبق التقى فرنجية ضمن مواعيده “الكثيفة”، بل “خصّه” بدعوة إلى الغداء، أعطاها المحسوبون على رئيس تيار “المردة” دلالات قد تفوق أبعادها الحقيقية، إلا أنّ جدول لقاءاته، كما يلاحظ العارفون، شمل تقريبًا كلّ الأسماء المتداولة رئاسيًا، حتى إنّه التقى قائد الجيش جوزيف عون والوزير السابق زياد بارود، فيما يُعتقَد أنّ لقاء سيجمعه خلف الكواليس بالوزير السابق جهاد أزعور، الموجود خارج لبنان.

انطلاقًا من هنا، يعتقد العارفون أنّ فكرة التخلي عن فرنجية باتت مطروحة جدّيًا، ولو أن الرجل لا يزال يعتقد ضمنًا أنّ المتغيّرات الخارجية ستميل لصالحه، وستدفع الكثير من “الممانعين” لانتخابه يؤمّنون النصاب بالحدّ الأدنى، متى جاءت “كلمة السرّ”، لكنّه رهان لا ينسجم برأي كثيرين مع الواقع الحاليّ، كما مع عواقب “تأجيل” الاستحقاق لفترات طويلة، فيما التحديات داهمة، وأولها “الفراغ” المنتظر في حاكمية مصرف لبنان.

وإذا كان هناك من يتحدّث عن “مرونة” يبديها “حزب الله” إزاء “الخيار الثالث”، في ظلّ تباين مواقف قياديّيه بين من “يتشدّد” في دعم فرنجية، تشبّهًا بالتشدّد الذي أوصل ميشال عون قبل ستّ سنوات ونيّف إلى قصر بعبدا، ومن يترك الأمور لمقتضيات الحوار، فإنّ “الثابت” بحسب العارفين، أنّ الحزب لن يبادر إلى “التخلي” عن فرنجية تحت أيّ ظرف من الظروف، وأنّه سيترك التقدير لرئيس تيار “المردة” ليتّخذ ما يراه مناسبًا.

بمعنى آخر، يقول العارفون إنّ “التخلي” عن فرنجية في قاموس الحزب، “مشروط” بقرار ذاتي لفرنجية بالانسحاب من السباق الرئاسي، وهو قرار لم تنضج ظروفه بعد، وإن لم يكن مُستبعَدًا متى ظهرت بوادر “توافق ما” على مرشح ثالث لا يكون مقبولاً من الثنائي الشيعي والأكثرية المسيحية فحسب، ولكن مقبولاً من فرنجية أيضًا، الذي قد يتحوّل بموجب ذلك، إلى “الناخب الأول”، إن أراد التخلّي عن صفة “المرشح الأول”.

في النتيجة، قد لا تكون زيارة لودريان طوت صفحة ترشيح فرنجية نهائيًا، وفتحت الباب أمام “مرحلة جديدة”، في ظلّ اختلاف الرؤى والتفسيرات، فضلاً عن أنّ الرجل اكتفى بـ”الاستطلاع”. لكنّ الزيارة، كما جلسة الانتخاب الأخيرة، ثبّتت حقيقة يدركها جميع اللبنانيين، وهي أنّ الحوار يبقى “مفتاح الحلّ”، لكنّه حوار لا يزال أسير التجاذبات والشروط والشروط المضادة، ليبقى اسم فرنجية الأكثر تردّدًا على خطها، حتى إشعار آخر!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.