صيدا تغرق بالنفايات: توافق سياسي وبلدي… لم يرق إلى معالجة المشكلات

كشفت الحرائق التي اندلعت قبل أيام قليلة في أكوام من النفايات، وفي أماكن مختلفة من أحياء وشوارع صيدا للتخلص منها، عن مدى استفحال أزمة النفايات التي تترنح تحت وطأتها المدينة في ظاهرة غير مسبوقة، بعدما كانت تتفاخر بأنها أول مدينة لبنانية أزالت المكب وأنشأت معملا حديثا لمعالجة النفايات الصلبة ومحطة لتكرار مجاري الصرف الصحي، وأصبحت نظيفة وخالية من التلوث.

اليوم، تشبه المدينة كل شيء إلا صيدا النظيفة، حيث تترامى النفايات يمينا وشمالا في الشوارع الرئيسية والفرعية، في الأحياء الشعبية ذات الكثافة السكانيّة وعلى الطرقات والكورنيش البحري، في مشهد مقزّز لا يخلو من الروائح الكريهة مع بدء فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة والرطوبة معاً.

أولى المشكلات التي تئن منها المدينة معمل المعالجة، فهو شبه متوقف عن العمل ويراكم العوادم بالقرب منه حتى بات جبلاً على شاطئ البحر وكثيراً ما اندلعت فيه الحرائق وآخرها منذ أسابيع قليلة، بقي بضعة أيام ينفث دخانه الأبيض مع السموم القاتلة، حتى حضر وفد من وزارة البيئة وأجرى مسحاً للكشف عن أسبابها وتحديدها ما إذا كانت مفتعلة أو عرضية، وحتى الآن لم تعلن النتيجة رغم المطالبات الشعبية، فيما تكررت حرائق النفايات في مناطق أخرى من المدينة وبقيت مجهولة الأسباب كالعادة.

ثاني المشكلات، العجز المالي الّذي يُقيِّد يدي البلدية في الإنفاق لغرض النظافة (إذ لم تتقاضى مستحقاتها المالية من الدولة)، سواء لجهة جمع النفايات ورفعها أو نقلها إلى المعمل عند سينيق أو الكنس وسواها، في أواخر شهر أيار انتهى عقد الشركة المتعهدة لجمع النفايات ونقلها NTCC، وجرى تلزيم شركة “رامكو”،  ولكن تطبيق الاتفاق يحتاج إلى روتين إداري طويل قد يمتد ثلاثة أشهر، وخلال الفترة الفاصلة أخذت بلدية صيدا على عاتقها جمع ورفع وكنس النفايات عبر إستئجار الآليات والمعدات، إلا أنها لم تنجح في تكرار التجربة السابقة وبقيت القُمامة تتراكم لأسباب كثيرة.

ويقول رئيس الدائرة الهندسية في البلدية زياد الحكواتي لـ”النشرة”، أن الدعوة التي أطلقتها بلدية صيدا للتعاون في معالجة المشكلة لم تلقَ تجاوباً كبيراً، سواء لجهة رجال الأعمال وأصحاب المؤسسات والمستشفيات والمستوصفات والمراكز التجارية، أو لجهة المواطنين أنفسهم بعد الطلب منهم التبرع بدولار أميركي شهرياً عبر أصحاب المولدات الخاصة، المفاجأة أن اثنين فقط من أصحاب المولدات جمعا الأموال الأول 450 دولارا أميركيا، إضافة إلى مئتي دولار منه، والثاني 60 دولارا أميركيا، علماً أنه يزود أكثر الأحياء بالتيار الكهربائي، ما جعل المبادرة تقف عند هذا الحد.

ولم يتوقف الأمر هنا، يقول الحكواتي، بل واجهنا مشكلة في تأمين اليد العاملة لكنس الشوارع بعد أن  تراجع العدد إلى نحو 15 عاملاً فقط، كنا ندفع لهم 250 ألف ليرة لبنانية، ومع الغلاء أصبحنا ندفع 400 ألف ليرة، ورغم ذلك لم يتشجع الكثير للعمل في كنس الشوارع التي تتقاسم تكاليفه البلدية ومؤسسة الدكتور نزيه البزري الاجتماعية ونائب الرئيس إبراهيم البساط، وقبلها “تجمّع المؤسسات الأهلية” و”جمعية التنمية للإنسان والبيئة” برئاسة السيد فضل الله حسونة.

وتؤكد أوساط صيداوية لـ”الجريدة” أنه إضافة إلى الأسباب المباشرة ثمة أسباب أخرى ومنها عدم حماسة الكثير من أعضاء المجلس للعمل مجددا بعد تمديد فترة الولاية لعام جديد، رغبة رئيس البلدية المهندس محمد السعودي بالتنحي للأسباب ذاتها، ناهيك عن تحميله المسؤولية في تقصير البلدية في معالجة مشكلة النفايات من قبل بعض أعضاء “مبادرة صيدا تواجه” التي جرى تأسيسها لشراكتها بالمسؤولية في إيجاد الحلول بعد استفحال الأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية اللبنانية، والتخفيف قدر الإمكان من تداعياتها على المواطنين في المدينة ومنطقتها ودون أي تمييز.

وتوضح الأوسط أن التلاقي السياسي الصيداوي للمرة الأولى الذي جمع الأطراف الأربعة الرئيسية النائبين الدكتور عبد الرحمن البزري والدكتور أُسامة سعد–التنظيم الشعبي الناصري، والنائب السابق بهية الحريري–تيار المستقبل، والدكتور بسام حمود–الجماعة الإسلامية، إضافة إلى رئيس البلدية السعودي ونائبه البساط، بقي شكليا ولم يترجم على أرض الواقع تفاهما في كيفية مقاربة المشكلات، وبقيت صيدا تعاني كأن شيئا لم يكن.

بالمقابل، لم يهدأ الناشطون والبيئيون والمهندسون الذين انبروا في التصدي للواقع المرير من خلال حراكهم الاحتجاجي وعبّروا في أكثر من مناسبة عن غضبهم واستيائهم من تقاعس المعمل عن الفرز والمعالجة، وللتراخي في جمع ونقل النفايات، واليوم في كنس الشوارع، وفي اندلاع الحرائق، حيث تساءلوا عن أسباب الصمت المطبق، بعدما كانت لجنة البيئة في “مبادرة صيدا تواجه” قبل فترة قد استنكرت الحرائق المستمرة لجبل النفايات قرب ما تبقّى من معمل فرز ومعالجة النفايات في صيدا، ودعت إلى المطالبة باسترداد البلدية للمعمل بحسب القوانين المرعية الإجراء، “هذا المعمل الذي يتقاضى 95 دولاراً للطن الواحد، إنما هو يتقاضى ثمن إيذائهم صحّياً وبيئياً، ويكدّس النفايات ثم يحرقها وهو غير مؤهّل للعمل، وإن كانت الحجة لإبقائه هي “لا بديل”، فإنّ لجنة البيئة في “صيدا تواجه” وضعت خطة للإدارة السليمة، وتطالب باسترداد المعمل وإعادة تشغيله بإدارة البلدية بالتعاون مع القطاع الخاص وضمن عقد يضمن المعالجة الصحيحة والصيانة والتطوير. وحذّرت من الاستمرار في دعم الشركة المشغلة وقد “استنفدت كل الفرص، ونحن لا ثقة لنا بها”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.