اعتذار اسرائيل من الجيش: خطوة مدسوسة لزرع الفتنة

كان غريباً جداً اعلان الجيش الاسرائيلي في بيان انه لم يتقصّد استهداف موقع للجيش اللبناني، وانه اعتذر عن هذا الامر. الغريب هو ان تأتي هذه الخطوة من جيش عدوّ ومحتل تجاه جيش البلد الذي يعاديه، كما ان الاعتداء ادّى الى استشهاد الرقيب عبد الكريم المقداد، ايّ ان الاعتذار مغمّس بالدم وفقد اي قيمة قد يحملها. ولكن، ما السبب وراء هذا الامر؟.

مصادر متابعة للوضع الجنوبي تكاد تجزم ان ما حصل يندرج في اطار زرع الفتنة والشرخ بين الجيش وحزب الله من جهة، وبينه واللبنانيين من جهة ثانية، ناهيك عن تبييض صفحته مع الدول الغربيّة والعربيّة على حد سواء التي تعتبر الجيش اللبناني خطاً احمرَ وورقة رابحة في ايّ تسوية او حلّ يشمل لبنان. وتؤكد المصادر ان الاستهداف ليس بريئاً تماماً كما الاعتذار، وتشرح انّ الاسرائيليين حاولوا اظهار الامر وكأنّ الجيش اللبناني غير معني بما يحصل ولا بالدفاع عن الحدود اللبنانيّة، علماً انه قبل الحرب شهدت المنطقة الحدودية مواجهات ساخنة بين الجيش والقوات الاسرائيليّة كادت ان تتطوّر الى اشتباك مسلح، وكان الجيش دائماً هو الذي يفرض نفسه خلالها.

حاولت اسرائيل عبر اعتذارها المقنّع، ان توحي بأنها والجيش على تنسيق او تفاهم، وهو امر لا يمكن لاحد ان يصدقه او يقبل بالتفكير فيه، وبالتالي فإنها حاولت ان تزرع الفتنة بين الجيش وحزب الله، وان تحقق مطلباً لطالما كان بمثابة حلم لها ولبعض الاطراف وهو حصول صدام بين القوّتين يؤدّي بطبيعة الحال الى تفكك لبنان وتشرذمه. في هذه الحال، لماذا لم يردّ الجيش؟ تشير المصادر نفسها الى انّه ليس كالمقاومة، لانه بحاجة الى تفويض صريح من قبل القوى السياسية للقيام بأيّ خطوة من هذا القبيل، وهو ما لا يحظى به حالياً، كما انه لا يخفى على احد ان الدخول في حرب مع اسرائيل لا يوازي مواجهتها على الحدود في مواقع معيّنة ومن دون استغلالها للتفوق التكنولوجي والعسكري، على غرار ما يحصل في كل المواجهات العسكرية الميدانية من مسافات قريبة (في حرب عام 2006 وفي حرب غزة حالياً)، وبالتالي لا يمكن للجيش ان يقارع الاسرائيليين في حرب المسافات البعيدة كما يفعل حزب الله حالياً.

وليس سراً، تضيف المصادر، انّ الدول الغربية وفي مقدمها الولايات المتحدة الاميركية، تعمل على مدار الساعة لمنع الانفلات الشامل للحرب وهذا يقتضي عدم دخول لبنان كدولة فيها، وهذا يعني الضغط على الحكومة والقوى السياسية لمنع الجيش من المشاركة، وهذه الدول تراهن (كما فعلت عام 2006)، على ان الجيش سيكون الحلّ المطلوب عندما تخرس لغة السلاح وتبدأ لغة المفاوضات الدبلوماسيّة، وايّ خلل في هذا السيناريو من شأنه تعقيد الامور وهو ما لا يرغب به أحد حالياً.

وتكمل المصادر نفسها شرح رؤيتها للموقف، بالقول انّ الاسرائيليين يدركون جيداً ان الازمة الداخلية اللبنانية قد تشكل نافذة لهم للتفريق بين اللبنانيين، لذلك يحاولون اثارة الشكوك حول المؤسّسة الوحيدة التي يلتفّ حولها الجميع (اي المؤسسة العسكريّة)، وتدرك انّ الحسابات السياسية حاضرة في المواقف التي تطال الجيش خصوصاً مسألة الفراغ الذي يهدد قيادته، وطرح قائده الحالي العماد جوزاف عون كمرشح للرئاسة مع كل السجالات والاختلافات الواضحة في هذا المجال.

وتختم المصادر بالقول انّ النوايا الاسرائلية معروفة، ولكنها لن تنجح، وتنكّرها في ثياب الحملان لن يفيد لان حقيقتها كذئب باتت واضحة اكثر من ايّ وقت مضى، بدليل المواقف الغربيّة التي اصبحت مختلفة بشكل جذري عما كانت عليه قبل الحرب على غزة.

طوني خوري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.