“حزب الله” يقف على “خاطر” باسيل… هل يقتنع “العونيّون”؟

قد تبدو “معبّرة”، من حيث الشكل، “لقطة” انسحاب نواب كتلة “الوفاء للمقاومة” من الجلسة التشريعية عند طرح موضوع التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون، وإن كان معروفًا للقاصي والداني، أنّ مثل هذا الانسحاب لن يؤدّي إلى “إسقاط” اقتراح القانون، ولا إلى “تطيير” النصاب، الذي تولى حلفاء الحزب مهمّة الحفاظ عليه، مع وجود نواب “متأهّبين” في باحة المجلس لكسر قرار “رفض التشريع”، والدخول “عند الحاجة”.

لكن ما قد يبدو “معبّرًا” أكثر، من حيث المضمون لا الشكل فحسب، هو كلام رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل في “اليوم التالي” لما اصطلح على تسميتها بـ”جلسة التمديد لعون”، حيث اعتبر في كلمةٍ له أنّه باستثناء “التيار”، فإنّ الجميع “رضخوا” لما وصفها بـ”المؤامرة”، مستخدمًا مقولة “كلن يعني كلن” في الإشارة إلى ذلك، ولو تحدّث عن “فروقات” أوحى بأنّها لم تقدّم أو تؤخّر كثيرًا في المعادلة.

وجاء موقف باسيل بعيد جلسة التمديد، “متناغمًا” مع الموقف الذي أطلقه بالتزامن مع التئامها، حين قال إنّه “يتفرّج عليهم ويبتسم”، مميّزًا بين “من يريد إغاظته، ومن يريد إرضاءه، ومن يعرف أنّه محقّ، لكن يعتقد أنّه لا يجب أن يربح، ومن يعرف أنّه لا يجب أن يخسر، لكن لا يجوز أن يربح لهذا الحدّ”، في استعادةٍ “نسبيّة” للموقف الذي أطلقه خلال المؤتمر الصحافي الأخير، حين وضع كلّ الحراك الحاصل في سياق “النكاية بباسيل والتيار”.

هكذا، تبدو الصورة أكثر وضوحًا. أراد “حزب الله” بانسحابه من “جلسة التمديد” الوقوف على “خاطر” باسيل بشكل أو بآخر، من خلال “التضامن” معه، ولو بالشكل. على الأقلّ، هذا ما يروّج له المؤيّدون للحزب والعارفون بأدبيّاته. لكن، هل هذا فعلاً موقف الحزب؟ وهل يقتنع “العونيّون” بهذه المقاربة أصلاً؟ ألا يُعَدّ موقفًا باسيل بمثابة “رسالة” إلى الحزب قبل غيره؟ وكيف يمكن أن تتأثر العلاقة بين الجانبين بعد هذا الاستحقاق؟.

بالنسبة إلى موقف “حزب الله” الحقيقي، يقول العارفون والمطّلعون إنه يمكن إدراجه في “الخط الوسط”، إن جاز التعبير، إذ لا يمكن القول إنّه كان فعلاً ضدّ التمديد لقائد الجيش، وإن اكتفى نوابه بالموقف الرماديّ العام القائل بأنه يرفض “الفراغ” في قيادة المؤسسة العسكرية، وهو في الوقت نفسه لا يريد “كسر” باسيل، وتركه “وحيدًا”، كما أنّه ليس من مصلحته إهداء “القوات” ما يمكن أن تعدّه “انتصارًا” في مواجهة “التيار الوطني الحر”.

وفقًا لهؤلاء، فإنّ عوامل عدّة تكرّس وجهة النظر القائلة بأنّ الحزب لم يكن معارضًا للتمديد لقائد الجيش من الناحية العملية، فهو لاذ بالصمت طيلة المرحلة الأخيرة، وتعمّد عدم الدخول على خط الاشتباكات الكلامية بين مختلف الأطراف، ولا سيما بين باسيل وجعجع، والأهمّ من ذلك، أنه لم يشارك بـ”الحملة” التي شنّها باسيل على العماد عون، بل حرصت أوساطه في عدّة مناسبات على تأكيد العلاقة “الجيدة” التي تربطه بقائد الجيش.

ولعلّ مجريات الجلسة التشريعية تؤكّد أيضًا هذا المُعطى، ولو أنّ الحزب اكتفى بكلام عام عن رفضه الفراغ في قيادة الجيش، وهو ما لا يتناقض في الجوهر مع “طروحات” باسيل، ومن بين هذه المجريات، أنّ انسحابه من الجلسة جاء “من طرف واحد”، ولم يشمل حلفاءه المقرّبين واللصيقين، على غرار “تيار المردة” و”حركة أمل”، ما يعني أنّه كان يدرك سلفًا أنّ التمديد “سالك” من دون “جميلته”، ففضّل “حفظ ماء الوجه” مع باسيل، وفق تعبير العارفين.

وقد تتناغم هذه القراءة أيضًا، مع تلك التي يردّدها كثيرون عن أنّ التمديد لقائد الجيش ما كان ليمرّ أصلاً لو أنّ “حزب الله” لم يكن قد أبدى “موافقة ضمنية” عليه من الأساس، ولا سيما أنّ الحزب “المنهمك” في الحرب “المصغّرة” التي يتصدّى لها في جنوب لبنان، إسنادًا للجبهة المشتعلة في قطاع غزة، يعتبر هذا الملف “دقيقًا وحسّاسًا”، وهي قراءة كرّستها مواقف حلفاء الحزب، الذين ما كان يمكن أن يسيروا بقرار “يُغضِب” الحزب بأيّ شكل من الأشكال.

استنادًا إلى ما تقدّم، قد يكون من المُستبعَد أن يقتنع “العونيّون” بأنّ “حزب الله” كان فعلاً إلى جانبهم في “معركة” قيادة الجيش، رغم أنّهم ذهبوا في التصعيد على خطّها إلى النهاية، لكن ثمّة من يتحدّث عن وجهتي نظر داخل “التيار”، تميل الأولى لـ”تفهّم” موقف الحزب وتقدير رسالة “حسن النية” التي أبداها، ولو كانت شكليّة، فيما تذهب الثانية إلى اعتبار أنّ الحزب جزء من معادلة “كلن يعني كلن”، وأنّ العودة لزمن “تفاهم مار مخايل” أضحت مستحيلة.

 بهذا المعنى، “يتقاطع” الجانبان على اعتبار أنّ انسحاب نواب الحزب من جلسة التمديد لعون لم يكن أكثر من “خطوة شكلية” يدرك الحزب قبل غيره أنّها لا تمثّل “تضامنًا حقيقيًا” مع “التيار” الذي كان ينتظر منه موقفًا عمليًا أكثر تأثيرًا، رغم أن أوساط “التيار” تؤكد أنّها لم تكن “تراهن” على موقف “حزب الله” أصلاً، وأنّها تدرك “حساسيّة” الملف بالنسبة إليه، وعدم قدرته على الخوض في “صدام” مع قائد الجيش، كما يفعل باسيل متحرّرًا من كلّ القيود.

من هنا، يعتقد العارفون أنّ الملفّ لا يمكن أن يمرّ “بلا تبعات” على العلاقة بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، لكنّها تبعات يرجّح أن تبقى “مضبوطة ومحدودة” وفق هؤلاء للكثير من الأسباب والاعتبارات، لعلّ أهمّها أنّ جلسة التمديد لعون نفسها بيّنت أنّ باسيل أضحى “وحيدًا” في المواجهة، وأنّه لا يمكنه التخلي بالمُطلَق عن “حزب الله”، ولو حاول اللعب “شعبويًا” على الوتر، من خلال تصوير نفسه أنّه “وحده على حقّ، ولا يخضع”.

وعلى الرغم من وجود جناح واسع داخل “التيار” يعتقد أنّ التفاهم مع “حزب الله” سقط، وأنّ لا نفع منه، طالما أنّ باسيل لم يستطع الاستفادة منه في الاستحقاقات الأساسيّة، من رئاسة الجمهورية إلى قيادة الجيش، فإنّ العارفين يؤكدون أنّ هناك من يرى أنّ العلاقة مع “الحزب”، ولو بقيت في حدودها الدنيا، تبقى مهمّة بالنسبة إلى باسيل، في ظلّ محاولات “العزل” التي يتعرّض لها “التيار”، وبعدما أصبح “التقاطع” مع المعارضة “في خبر كان”.

في النتيجة، قد تكون عبارة “مع فروقات” التي قالها باسيل في سياق حديثه عن “رضوخ” جميع الأطراف، “كلن يعني كلن”، لما وصفها بـ”المؤامرة”، ذات دلالة مهمّة. لا شكّ أنّ الرجل أراد توجيه “رسالة امتعاض” واضحة لـ”حزب الله”، الذي يعرف أنّ موافقته الضمنية على التمديد فتحت الباب أمام إنجازه، لكنه أراد أيضًا التمييز بينه وبين سائر الأفرقاء، استعدادًا لاستحقاقات مقبلة، قد يحتاج الطرفان فيها لدعم بعضهما بعضًا!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.