باسيل “يتموضع” في الوسط من جديد… أي رسائل خلف “تمايزه”؟!

لم تحمل الإطلالة التلفزيونية الأخيرة لرئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل الكثير من المفاجآت، فهو بدا “ثابتًا” على مواقفه من مختلف الاستحقاقات الأساسية، ولا سيما الانتخابات الرئاسية، خلافًا لكلّ ما أثير في الكواليس في الآونة الأخيرة، خصوصًا بعد “خسارته” معركة التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون، عن إمكانية انتقاله لتموضع آخر، تفاديًا لتكرار سيناريو “إقصائه”، إن جاز التعبير، على المستوى الرئاسي.

في هذا السياق، تداولت الكثير من الأوساط السياسية سيناريو “تخيير” باسيل بين المرشحين المصنَّفَين الأوفر حظًا، وهما قائد الجيش العماد جوزاف عون، الرجل الذي سعى رئيس “التيار” بكل قوة لمنع التمديد له، بغية “إضعاف” أسهمه الرئاسية وفق توصيف الخصوم، ورئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، الذي توترت العلاقة بين باسيل و”حزب الله” بسببه، لكنّه يبقى “أهون الشرّين” بالنسبة له، وفقًا لبعض الأوساط المتابعة.

إلا أنّ باسيل دحض هذا السيناريو في مقابلته الأخيرة، فأعاد إشهار “الفيتو” في وجه عون وفرنجية معًا، حتى إنّه في مكانٍ ما “أحيا” التقاطع مع قوى المعارضة، الذي اعتقد كثيرون أنّه “دُفِن” بنتيجة التمديد لقائد الجيش رغمًا عن إرادة باسيل، كما جدّد طرح ما بات يصطلح على وصفه بـ”الخيار الثالث”، من خلال دعوته جميع الأفرقاء إلى التفاهم على “رئيس توفيقي ذات رؤية إصلاحية” وفق توصيفه.

وإذا كان باسيل حاول من خلال هذه الدعوة تكريس “تموضعه” في الوسط، وبالتالي “تمايزه” عن مختلف القوى والأطراف، وهو ما عزّزه بـ”تقاطع” الرسائل التي وجّهها إلى فريقي “الثنائي” والمعارضة على حدّ سواء، ومفادها أنّ الخيارات الحالية لا توصل إلى رئيس، فإنّ علامات استفهام تُطرَح حول ماهيّة الرسائل الحقيقية التي أراد باسيل إيصالها عمليًا إلى “الثنائي” والمعارضة، وما إذا كان يؤسّس لحراكٍ ما يوصل فعلاً إلى “الخيار الثالث”.

الثابت وفق ما يقول العارفون، أن الرسالة الأساسية التي أراد باسيل إيصالها في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، هي أنّه ثابت على موقفه “السلبي” من المرشحين المعلنين للرئاسة، وأنّه ليس بوارد التراجع عنها كما يراهن البعض، ولكن قبل ذلك، أنّه مصرّ على “تمايزه”، وبشكل خاص عن “حزب الله”، الذي لا يبدو أنّ العلاقة الثنائية معه ستعود إلى سابق عهدها في المدى المنظور، وهي التي باتت أساسًا تحتاج إلى تفاهم شامل جديد.

في هذا السياق، تُفهَم الرسائل التي حرص باسيل إيصالها إلى الفريقين، على طريقة من لا يريد أن “يُحسَب” على أيّ منهما، فهو أبلغ “حزب الله” أنّ الرهان على تغيير موقفه من ترشيح رئيس تيار “المردة” ليس واقعيًا، وأنّ فكرة “تخييره” بين المرشحين غير منطقية، ولعلّه أيضًا تعمّد الحديث عن “التقاطع” مع المعارضة لتوجيه رسالة لـ”حزب الله”، مفادها أن هذا التقاطع يمكن أن يعاد إحياؤه في أيّ لحظة، إذا ما وُجِدت الضرورة لذلك.

ضمن الرسائل الموجّهة لـ”حزب الله”، يتوقف العارفون عند حديث باسيل اللافت عن رفضه فكرة “المقايضة” بين الرئاسة والأمن، في إشارة إلى ما يُحكى عن حصول الحزب على ما يريده رئاسيًا مقابل تطبيقه القرار 1701، ومع أنّ الحزب “تبرّأ” بصورة أو بأخرى من كلّ التسريبات في هذا الإطار، إلا أنّ باسيل أراد أن يوجّه رسالة واضحة الدلالات، يختصرها “تقاطعه” على هذه النقطة مع رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع.

في المقابل، لم يخلُ الأمر من رسائل وجّهها باسيل إلى قوى المعارضة، التي لا يخفى على أحد امتعاضه من أدائها معه في استحقاق التمديد لقيادة الجيش، بعدما قفزت بمعظم مكوّناتها على “تقاطعها” معه، لتخوّنه وتوجّه له أقسى الاتهامات، وهنا أراد باسيل أن يكون حاسمًا أيضًا على مستويين، أولهما رفض ترشيح عون تمامًا كرفض ترشيح فرنجية، وثانيها ضرورة اقتراح عدّة أسماء، في سبيل التفاهم مع الطرف الآخر، بعيدًا عن تكتيك “الفرض”.

انطلاقًا ممّا تقدّم، يبدو واضحًا أنّ باسيل بتموضعه في الوسط، يسعى لاستعادة زمام المبادرة، فهو يقول للطرفين إنّ خياراتهما الحاليّة لا توصل إلى رئيس، وإنّ المطلوب مقاربة مختلفة توصل إلى تفاهم على “خيار ثالث”، تتصدّر صفاته المفترضة أن يكون “ذات رؤية إصلاحية” بما ينسجم مع متطلبات المرحلة، لكن هل لدى باسيل “خريطة طريق” للوصول إلى مثل هذا الهدف، وعلى ماذا يراهن تحديدًا؟.

يستبعد العارفون أن يكون لدى باسيل “خريطة طريق” واضحة المعالم، ولو أنّه حرص ضمن الرسائل التي مرّرها، على الإيحاء بـ”حركة” يقوم بها، ولم تتوقف خلال الفترة الماضية، ولو أنّ الوضع الأمني خطف من بوابة الجنوب تحديدًا الاهتمام من الملف الرئاسي، علمًا أنّ رئيس “التيار” سبق أن حاول إطلاق مبادرات، وفتح قنوات حوار، لكنّها اصطدمت بمجملها بمواقف القوى الأخرى منه، بل إنّ هناك من يخشى من “أهداف مبيّتة” خلف وساطات الرجل.

ومع أنّ باسيل يحرص دائمًا على التأكيد أنّ الحلّ يجب أن ينطلق من الداخل اللبناني في المقام الأول، وأنّ اللبنانيين قادرون على التفاهم فيما بينهم، بمعزل عن وساطات إقليمية أو دولية، يعتقد المطّلعون على الأجواء السياسية أنّ رهان باسيل الأساسيّ، قد يكون على الدور الذي يستطيع أن يلعبه الخارج، ممثلاً باللجنة “الخماسية”، لكن بصيغة مختلفة عن تلك التي قامت المبادرة الفرنسية على أساسها، حين بات للفرنسيين “مرشح مفضّل” في لبنان.

وإذا كان ثمّة رهان على الحراك القطري، الذي يقول البعض إنّه مستمرّ خلف الكواليس، بانتظار نضوج بعض المعطيات، والتوصّل إلى “مفاتيح” يمكن الولوج منها، فإنّ العارفين يؤكدون أنّ مثل هذا الحراك يجب أن يقترن بإرادة داخلية بالحلّ بالدرجة الأولى، إرادة تجمع الفريقين، فلا تبقى الرئاسة “رهينة” حرب غزة كما يريده فريق محدّد يعتقد أنّ نتائجها قد تقوّي حظوظ مرشحه، ويتخلّى الفريق الآخر عن منطق “التحدّي والنكايات” ويقبل مبدأ التفاهم والحوار.

لعلّ هذه بالتحديد المعادلة التي أراد باسيل تكريسها، معادلة تنطلق من “فيتو” على ترشيحي عون وفرنجية، وتصل إلى حثّ الطرفين على تقديم “التنازلات المتبادلة”، بما يسمح للخارج ربما بالدخول على الخط، وتسهيل عملية الانتخابات. يريد باسيل ذلك تمهيدًا للعب دور “الناخب الأكبر” على مستوى الرئاسة، دور يسعى إليه منذ “تنازله” عمّا يصفه بـ”حقّه في الترشح”، فهل يمكن القول إنّه اقترب من تحقيقه؟!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.