العالم السفلي لـ”تيكتوك”: بيع للهواء والهوى

بدلت وسائل التواصل الإجتماعي حياة البشر الإجتماعية والإقتصادية وحتى الدينية، فكانت مصدر وحي إيجابي للبعض ومصدر تعاسة وهمّ وموت لآخرين، ومن هذه الوسائل يبرز “التيكتوك” الذي شغل بال المراهقين بعد ولادته، وبال الجميع بعد شهرته، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تُعد وتُذكر.

نعم، لا ينكر أحد أن “التيكتوك” قد يكون مصدراً للمال الوفير، خاصة من خلال طريقة “الدعم” الذي يحصل عليه المستخدم خلال خدمات البثّ المباشر، دون أيّ مقابل مرئي أو مسموع، أو من خلال الاعلانات التي تصور حيث بات الهواء ثميناً ويباع بمبالغ ماليّة كبيرة، ولو كان تافهاً.

ولكن، في مرات عديدة كان التطبيق مصدر تعاسة وفقر وموت، حتى بات بالإمكان الحديث عن “عالم سفليّ” لهذا التطبيق، تجري فيه كل أنواع الجرائم ومخالفة القوانين، فمسألة استدراج الأطفال والقصّر واغتصابهم لم تكن الجريمة الأولى التي تحصل عبر التطبيق، وربما لن تكون الأخيرة بحال لم يتم التعامل الجدي مع هذا الخطر، من قبل الأجهزة الأمنية ومن قبل الأهل أيضاً.

في هذا السياق تكشف مصادر أمنية متابعة أن مسألة عصابة اغتصاب الأطفال رفعت الستار عن عالم سفلي أسود يستغل هذا التطبيق، فمن خلاله تُدار عمليات اتّجار بالمخدرات، واتّجار بالبشر والنساء والرجال والأطفال، كاشفة أن التطبيق كان، ولا يزال ربما، مكاناً لتجنيد العملاء للعدو الاسرائيلي، عن علم وعن غير علم، ومكاناً لدفع ثمن العمالة والخيانة، إذ لا رقابة على الأموال داخله، ويكفي أن يحصل المستخدم على “هدايا” خلال بثه المباشر، ليتوجه الى أقرب نقطة بيع لاستبدال الهدايا بمبالغ نقدية.

تؤكد المصادر الأمنيّة أن التحقيقات مع كثير من العملاء، قبل الحرب على الجنوب، كشفت دور تطبيق “تيكتوك” في تجنيدهم وتلقّيهم للأموال، حيث بات العدو بعد انتشار وسائل التواصل يعتمد عليها بشكل كبير للتجنيد، وهنا نتحدث عن عملاء بأدوار صغيرة وبسيطة، إذ شكلت وسائل التواصل فرصة للعدوّ لتجنيد عدد كبير بمقابل زهيد.

في الماضي كان الرجل العربي معروفاً بغيرته على زوجته، وكانت المرأة عند العرب شرف وعزّة، وفي الحاضر باتت الزوجة تبيع كرامتها في بثّ مباشر على تطبيق “تيكتوك” لتحصيل المال برضى وعلم زوجها، وهذا الأمر يجري داخل عائلات كثيرة في مجتمعنا، إذ تحولت المرأة الى سلعة لتأمين المال، بينما يتفرج الزوج أو الاخ أو الأب على “الداعم” وهي كلمة لها شهرتها على تطبيق “تيكتوك”.

يقول أحد الداعمين لعدد من الحسابات أنه يدفع المال على تيكتوك للتسلية، ولكن كلامه لا يُقنع أحداً، لأنه يجافي المنطق والعقل، لذلك فإنّ أبسط سؤال يُطرح هنا هو عن سبب الدعم، وهذه مسؤوليّة الشخص صاحب الحساب ومسؤولية الأهل أيضاً.

بالعودة الى مسألة كشف عصابة استدراج الاطفال واغتصابهم، فكثيرة هي التفاصيل التي تُنشر حول هذه العصابة، تقول المصادر الأمنيّة، اذ يتسابق الإعلام لنشر المعلومات دون التأكد من صحتها في كثير من الأحيان، حتى اختلط الأمر على المتابعين فبات المجرم بطلاً والبطل مجرماً والقاصر متّهماً والمتحرّش مصدراً، وهنا تلفت المصادر الأمنيّة النظر الى أنّ هذا الملف يحمل في طيّاته الكثير من النقاط التي تحتاج الى بحث وتدقيق ومتابعة، وتجري محاولات كثيرة لاستغلاله في تصفية الحسابات وتركيب الملفّات، داعية الى التنبّه من هذه المسألة، مع العلم أن المحامي العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي طانيوس السغبيني ادعى على 12 متهمًا في ملف عصابة “التيكتوك” من بينهم خمسة موقوفين، ولن تكون هذه نهاية الملف بل بدايته.

ليس الحلّ وقف التطبيقات، فهل إذا توقف “التيكتوك” حَسُن المجتمع وتبدَّل سلوك المجرمين والمغتصبين؟ بالتأكيد كلا، إنما الحلّ بالتوعية، بمراقبة الأهل لأبنائهم، بتشجيع الصغار والكبار على الحديث عن أيّ أمر غريب يتعرّضون له، وتكثيف عمل الأجهزة الأمنية لمنع تحوّل هذا التطبيق وغيره الى مساحة حرّة لكل مجرم ومسيء ومعتوه.

محمد علوش

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.