هذه هي فوائد الصوم لدى الطوائف المسيحيّة الصحّية…

يُعتبر الصوم ممارسة قديمة ارتبطت بالتقاليد الروحية الدينية والثقافية عبر العصور. في المسيحية، يعد الصوم الكبير من أقدس الفترات الدينية، حيث يمتنع المؤمنون عن تناول اللحوم ومشتقاتها طوال فترة الصوم حتى عيد الفصح الكبير، مع التركيز على الأطعمة النباتية. وهذه الممارسة على الرغم من أنّها تأتي من خلفيّة انجيلية، لها تأثيرات صحية إيجابية على الجسم، وفقاً لدراسات علمية حديثة.
أظهرت الأبحاث أن الامتناع عن اللحوم خلال فترات الصوم يمكن أن يساهم في تحسين صحة القلب وفقدان الوزن. وفقاً لمجلة “ناشيونال جيوغرافيك”، فإن استبدال اللحوم بالبقوليات والحبوب الكاملة والخضراوات الغنية بالألياف يقلل من استهلاك السعرات الحرارية ويعزز الشعور بالشبع، مما يساعد في فقدان الوزن بشكل طبيعي. وفي دراسة أجريت عام 2018 أشارت إلى أن الأشخاص الذين تحولوا إلى نظام غذائي نباتي فقدوا ما يقرب من عشرة كيلوغرامات خلال ثلاثة أشهر. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت أبحاث أخرى أن الامتناع عن اللحوم لستة أسابيع أو أكثر يساعد في خفض مستويات الكوليسترول الضار (LDL) وضغط الدم، مما يقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب.
الصوم النباتي يؤثّر أيضاً على التوازن البيولوجي لبكتيريا الأمعاء. وفقاً لدراسة أجرتها جامعة ستانفورد، فإن الأشخاص الذين تحولوا إلى نظام غذائي نباتي شهدوا زيادة في عدد البكتيريا المتخصصة في تحليل الألياف، بينما انخفضت البكتيريا المرتبطة بالبروتينات الحيوانيّة. وهذا التغيير يعزز صحة الأمعاء ويقلّل من الالتهابات المرتبطة بالجهاز الهضمي.
إلى جانب تحسين صحة الأمعاء والقلب، يمكن أن يؤدّي الصوم إلى تعزيز وظيفة الجهاز المناعي. حيث أظهرت دراسة حديثة أن الامتناع عن اللحوم لمدة أسبوعين أدى إلى زيادة في نشاط الخلايا المناعية المسؤولة عن مكافحة الفيروسات، بالإضافة إلى انخفاض مستويات السيتوكينات، وهي جزيئات تلعب دوراً رئيسياً في تنظيم الاستجابة المناعية.
رغم الفوائد الصحية المثبتة للصوم النباتي، فإن الامتناع التام عن اللحوم ليس بالضرورة هو الخيار المثالي للجميع. تشير الدراسات إلى أن حمية البحر الأبيض المتوسط، التي تشمل الخضراوات والبقوليات مع استهلاك محدود للحوم، يمكن أن تحقق فوائد صحية مماثلة للأنظمة النباتية الصارمة. يقول البروفيسور لويجي فونتانا، الخبير في التغذية والشيخوخة الصحية: “ليس هناك دليل قاطع على أن تناول كمية قليلة من اللحوم مرة واحدة في الأسبوع يؤثّر سلباً على الصحة، فالأهم هو نوعية الطعام المختار، وليس فقط الامتناع عن عنصر معين”.
ولا يعني الامتناع عن اللحوم تلقائياً اتباع نظام صحي. فيمكن للصائمين الوقوع في فخ الأطعمة النباتية المعالجة، مثل بدائل اللحوم الصناعية أو الوجبات الغنية بالسكريات والدهون المشبعة. لذلك، يُفضل التركيز على مصادر نباتية طبيعية مثل العدس، التوفو، المكسّرات، والخضراوات الطازجة لضمان الحصول على العناصر الغذائية الضرورية.
خلال فترات الصوم الطويلة، من المهم الانتباه إلى الحصول على العناصر الغذائية الأساسية التي قد تنخفض في النظام النباتي، مثل فيتامينB12، الحديد، الزنك، الكالسيوم، وأحماض أوميغا 3 الدهنية. يوصي الخبراء بتناول مكملات غذائيّة عند الحاجة للحفاظ على توازن المغذيات في الجسم.
يعد الصوم في المسيحيّة أكثر من مجرد تغيير في العادات الغذائية؛ فهو فرصة للتأمل الروحي والتقشف، وفي الوقت ذاته تجربة صحية تمنح الجسم فترة راحة من استهلاك اللحوم. وفي الوقت الذي قد تكون التأثيرات الصحية للصيام إيجابية عند اتباع نظام غذائي متوازن، يبقى الأهم هو التركيز على جودة الطعام المختار. فالصوم ليس فقط حرماناً، بل هو دعوة إلى وعي أعمق بالجسد والروح، مما يجعل منه تجربة متكاملة تعزز الصحة الجسدية والروحية في آن واحد.