إدارة ترامب تبدأ تفكيك “صوت أميركا”: نهاية حقبة الإعلام الأميركي الممول حكوميًا؟

بدأت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تنفيذ خطوة جذرية تمثلت في تسريح واسع النطاق لموظفي إذاعة “صوت أميركا” (Voice of America) ووسائل إعلام أخرى ممولة من الحكومة الأميركية. يأتي هذا الإجراء ضمن خطة أوسع تستهدف تقليص دور هذه المنصات التي كانت لعقود أداة أساسية لنشر القيم الديمقراطية وتعزيز حرية الإعلام في دول العالم.

بعد منح جميع الموظفين إجازة إجبارية، أرسلت الإدارة رسائل عبر البريد الإلكتروني للمتعاقدين تبلغهم بإنهاء خدماتهم بحلول نهاية آذار. جاء في الرسالة أن هؤلاء المتعاقدين “عليهم التوقف عن العمل فورًا ولا يُسمح لهم بدخول أي مباني أو استخدام أنظمة تابعة للوكالة” .

يشكل المتعاقدون الجزء الأكبر من القوى العاملة في “صوت أميركا”، خاصة في الخدمات باللغات غير الإنجليزية. ومعظمهم ليسوا مواطنين أميركيين، ما يعني أن فقدانهم لوظائفهم قد يؤثر على وضعهم القانوني في الولايات المتحدة .

أما الموظفون العاملون بدوام كامل، الذين يتمتعون بحماية قانونية، فقد تم منحهم إجازة إدارية مؤقتة مع تعليق عملهم بشكل مؤقت. وفي غياب محتوى جديد، اضطرت بعض الخدمات التابعة لـ”صوت أميركا” إلى بث الموسيقى فقط .

وكان وقّع ترامب أمرًا تنفيذيًا يوم الجمعة يستهدف “الوكالة الأميركية للإعلام العالمي”، الجهة المسؤولة عن إدارة هذه المنصات، كجزء من خطة لخفض الإنفاق الحكومي. وكانت الوكالة تضم 3,384 موظفًا في العام المالي 2023، وطلبت ميزانية تقدر بـ950 مليون دولار للعام الحالي .

لكن الأمر لا يبدو مجرد خطوة تقشفية؛ فالصحافي ليام سكوت، الذي يعمل لدى “صوت أميركا”، أكد على منصة “إكس” أن هذه الخطوة تأتي ضمن “جهود إدارة ترامب الأوسع لتفكيك الحكومة وهجومها المستمر على حرية التعبير والإعلام”. وأضاف أن ما يحدث في الولايات المتحدة “لم يكن له مثيل خلال السنوات الأخيرة” .

لم تقتصر هذه الإجراءات على “صوت أميركا”، بل شملت أيضًا وسائل إعلام أميركية أخرى مثل “إذاعة أوروبا الحرة/راديو ليبرتي”، التي تأسست أثناء الحرب الباردة، و”إذاعة آسيا الحرة”، التي توفر تغطية للصين وكوريا الشمالية وغيرها من الدول ذات القيود الإعلامية المشددة. كما طالت الإجراءات “راديو فردا” الإيراني وشبكة “الحرة” العربية .

تأتي هذه التحركات في وقت تشهد فيه الساحة الإعلامية العالمية استثمارات ضخمة من قبل روسيا والصين في وسائل إعلامهما الرسمية، حيث تحاول الدولتان تقديم روايات بديلة للخطاب الغربي، وخصوصًا في البلدان النامية .

تجدر الاشارة الى أن إذاعة “صوت أميركا” تأسست خلال الحرب العالمية الثانية بهدف الوصول إلى البلدان التي تعاني من قمع الإعلام وتقييد الحريات. ومنذ ذلك الحين، باتت المنصة تبث بـ49 لغة، مما يتيح لها التواصل مع جماهير متنوعة حول العالم. لكن، يبدو أن إدارة ترامب تعتبر هذه الوسائل أقل أهمية في ظل سياساتها التقشفية والتقليصية .

مع استمرار هذه التحركات، يبقى السؤال حول مستقبل هذه المنصات التي كانت لعقود رمزًا لنفوذ الولايات المتحدة الإعلامي والثقافي. هل ستتمكن واشنطن من الحفاظ على دورها كقوة ناعمة في عالم يتزايد فيه التنافس الإعلامي؟ أم أن هذه الخطوة هي بداية نهاية حقبة طويلة من الإعلام الدبلوماسي الأميركي؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.