لبنان على مفترق طرق: الخيار الثالث لإنقاذ الاقتصاد وتجاوز الانقسامات السياسية

في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تهز لبنان، تتصاعد المواجهة بين طرفين متناقضين حول منصب حاكم مصرف لبنان. يدعو الأول إلى محاسبة المصارف وتحميلها مسؤولية تهريب السيولة بعد 2019 حتى لو كان ذلك على حساب المودعين، بينما يتمسك الثاني بتحويل الودائع إلى ديون تتحملها الحكومة عبر بيع أصول الدولة. ومع استمرار هذا التناحر، يبدو أن البلاد عالقة في جمود سياسي واقتصادي لا يبشر بالخير.
لكن الحقيقة المرّة هي أن أيًا من الطرفين لا يملك القوة الكافية لفرض أجندته بشكل كامل، ما يضع البلاد أمام خيار صعب: إما الاستمرار في الجدل العقيم أو البحث عن حلول وسطية تعتمد على رؤية جديدة قادرة على تجاوز الانقسامات.
الخيار الثالث المقترح يعتمد على خمسة محاور رئيسية:
أولاً، تحسين نسب استرداد الودائع بدلاً من شطبها أو استعادتها بالكامل، مع سياسات نقدية وإصلاحات مالية متوازنة.
ثانياً، إعادة هيكلة القطاع المصرفي لتحفيز إعادة الأموال المهربة واستخدامها في تمويل النمو الاقتصادي.
ثالثاً، امتلاك خبرة فنية لإعادة هيكلة الدين العام والتفاوض مع الدائنين لتحقيق أفضل الشروط الممكنة.
رابعاً، تعزيز المنافسة في القطاعات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والاتصالات، مع الحفاظ على دور المؤسسات العامة.
خامساً، تبني سياسة نقدية مستدامة ترتكز على ضوابط صارمة لمنع انهيار العملة الوطنية.
هذا الخيار الوسيط ليس مجرد فكرة، بل يتطلب شخصية قيادية تتمتع بالنزاهة والخبرة اللازمة، وهو ما قد يجسده الرئيس جوزاف عون الذي يُنظر إليه كرمز للوحدة الوطنية وصمام أمان أمام الانقسامات السياسية.
وتعتبر أزمة مصرف لبنان واحدة من أخطر التحديات التي تواجه البلاد منذ سنوات، حيث فقدت العملة الوطنية أكثر من 90% من قيمتها، وأصبح غالبية اللبنانيين تحت خط الفقر. وفي ظل غياب رؤية استراتيجية واضحة، تعمقت الانقسامات السياسية حول كيفية معالجة الأزمة. الخيار الثالث المقترح يمثل محاولة لتجاوز هذه الانقسامات عبر تقديم حلول واقعية ومبتكرة، لكنه يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية ودعم شعبي واسع لضمان نجاحه. فالبلاد اليوم تحتاج إلى قيادة قادرة على إعادة بناء الثقة وتوجيه الجهود نحو إنقاذ الاقتصاد الوطني قبل فوات الأوان.