لبنان في عين العاصفة: صراع النفوذ الإقليمي يهدد استقراره الهش

تتعقد الأوضاع في المنطقة بشكل غير مسبوق، ما يضع لبنان أمام تحديات جسام تتطلب حذرًا شديدًا في خطواته المقبلة. فبين الضغوط السورية لإعادة ترتيب العلاقات الثنائية تحت مظلة سعودية، والتحركات الإسرائيلية لترسيخ وجود دائم في الجنوب السوري، يبدو لبنان وكأنه ساحة جديدة للصراعات الإقليمية والدولية.
دمشق، التي تسعى إلى ضمان اتفاق مع بيروت بضوء أخضر سعودي، تبدو قلقة من التحركات اللبنانية الأخيرة على الحدود، لا سيما تدخل الجيش اللبناني في مواجهات حدودية مع مجموعات سورية مسلحة. هذا القلق يتزامن مع تصاعد النشاط الإسرائيلي في الجنوب السوري، حيث تعمل تل أبيب على تعزيز نفوذها عبر استهداف مواقع استراتيجية وتوسيع نطاق سيطرتها الجغرافية.
في الوقت نفسه، تتصاعد الضغوط الأميركية على إيران للوصول إلى تسوية شاملة حول ملفاتها النووية والصاروخية ودعمها لأذرعها الإقليمية. لكن هذه الضغوط تأتي في ظل أزمات داخلية تعصف بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي قد يدفعه وضعه السياسي الداخلي إلى اتخاذ قرارات أكثر تهورًا في المنطقة.
وسط هذا المشهد المتشابك، يتوقع أن تشهد بيروت زيارة مثيرة للجدل لنائبة المبعوث الأميركي مورغان أورتاغوس، والتي قد تحمل أجندات ضاغطة على “حزب الله” ومن ورائه دمشق. ومع ذلك، فإن واشنطن تريد تحقيق هذا الهدف دون الصدام المباشر مع القوى الشرعية اللبنانية، مما يجعل مهمة أورتاغوس أكثر حساسية.
من جهة أخرى، تبرز ملامح تنافس نفوذ بين الولايات المتحدة وروسيا في سوريا، حيث تحاول موسكو دعم السلطة السورية بأدوات اقتصادية، بينما تسعى واشنطن لتحجيم النفوذ الإيراني وإعادة رسم خريطة التوازنات الإقليمية. وبينما تراقب طهران عن كثب التطورات التركية التي قد تفتح لها أبوابًا جديدة، تبقى العيون مركزة على لبنان كحلقة وصل حساسة في هذه المعادلة المعقدة.
في ظل هذه الديناميكيات، يبدو أن ملف إعادة إعمار لبنان ليس سوى حلم بعيد المنال، طالما أن النزاعات الإقليمية والدولية تطغى على الأولويات. فلبنان، الذي يعاني أصلاً من هشاشة اقتصادية وأمنية، قد يجد نفسه مرغمًا على مواجهة مزيد من الضغوط، سواء عبر العقوبات الاقتصادية أو التدخلات الأمنية، في وقت يبدو فيه العالم مشغولاً بحسابات أكبر من مجرد “تفاصيل” لبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.