السرية المصرفية في لبنان: بين الإصلاحات الدولية ومخاوف الفساد

في ظل الأزمات الاقتصادية والمالية التي تضرب لبنان، عاد ملف “السرية المصرفية” ليتصدر النقاشات على طاولة مجلس الوزراء. يُنظر إلى هذا الموضوع كأداة كانت تاريخياً تمنح لبنان ميزة تنافسية لجذب الاستثمارات، لكنها اليوم تُتهم بأنها غطاء للفساد والتهرب الضريبي.

لم تعد السرية المصرفية كما نعرفها قائمة بالمعنى التقليدي. منذ توقيع لبنان على اتفاقيات دولية مثل قانون “الفاتكا” الأميركي ومعاهدة التعاون الضريبي المتعددة الأطراف (MAC)، بدأت البلاد تدريجياً بالتخلي عن السرية المطلقة. تعديلات قانونية حديثة، مثل القانون رقم 306 الصادر عام 2022، جاءت لتتوافق مع المعايير الدولية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، ولتعزيز الشفافية الضريبية.

 يشير الخبراء إلى أن السرية المصرفية لم تعد عاملاً جاذباً لرؤوس الأموال، خاصة مع تخلي دول مثل سويسرا ولوكسمبورغ عن أنظمتها القديمة. بدلاً من ذلك، يعتمد جذب الاستثمارات الآن على بيئة اقتصادية شفافة وفرص نمو مستقرة. لبنان، الذي يسعى للخروج من اللائحة الرمادية لمنظمة العمل المالي (FATF)، يحتاج إلى إصلاحات جذرية لإعادة الثقة الدولية.

وكانت السرية المصرفية اللبنانية تاريخياً عقبة أمام تحصيل الضرائب. أدت إلى إخفاء الأصول والأموال المنقولة، مما أضر بالمردود الضريبي وأضعف الثقافة الضريبية. التعديلات الجديدة تهدف إلى تعزيز الشمول المالي ومكافحة الاقتصاد غير الرسمي، بما يساهم في زيادة الإيرادات الحكومية.

وللحد من مخاوف استخدام المعلومات المصرفية لأغراض سياسية أو شخصية، أدرجت التعديلات ضمانات صارمة. أي إفشاء غير مصرح به للمعلومات يُعاقب بالحبس والغرامات الثقيلة. كما تم تعزيز آليات حماية البيانات المالية والمصرفية، بما يتماشى مع المعايير الدولية.

في هذا السياق نجد ان الضغط الدولي، خصوصاً من صندوق النقد الدولي، يدفع لبنان لتسريع الإصلاحات. الهدف هو تمكين الجهات الرقابية، مثل مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، من القيام بمهامها دون عوائق. هذه الخطوة ليست نقضاً للسرية المصرفية بالكامل، بل تعديلاً تقنياً يهدف إلى تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد.

ختاماً، ان تعديل قانون السرية المصرفية ليس مجرد خطوة إصلاحية، بل هو فرصة لإعادة بناء الثقة الدولية بلبنان كموقع آمن للاستثمار. ومع ذلك، النجاح يتطلب إرادة سياسية حقيقية وتطبيقاً دقيقاً للقوانين الجديدة لضمان تحقيق الأهداف المرجوة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.