أزمة “الثقة” تتفاقم بعد جلسة البرلمان… والخيارات محدودة!

كما كان متوقَّعًا، انتهت جلسة مجلس النواب المخصَّصة لمناقشة “رسالة” رئيس الجمهورية حول التأخّر في تشكيل الحكومة، من دون أن يطرأ أيّ “تغيير” على المعادلة، ووفقًا لصيغة “لا غالب ولا مغلوب”، الحاكمة والمتحكّمة بالبلاد والعباد.

“تجاوب” البرلمان مع مَطلب رئيس الجمهورية، فناقش في الشكل والمضمون رسالته، من دون أن يسجّل على نفسه “سابقة” سحب التكليف من رئيس الحكومة “العاجز” عن التأليف، حتى إثبات العكس، بعدما “تنصّل” أصلاً الفريق المشتكي من هذا “الهدف”.

وبعيًدا عن الموقف، أو ربما اللا-موقف الذي خلُصت إليه الجلسة، ولم ينطوِ عمليًا على أيّ جديد، تحوّل مجلس النواب مرّة أخرى إلى ساحة “ردح”، بين الردود والردود المضادة، التي “فضحت” مجدّدًا “أزمة الثقة” بين مختلف المكوّنات والفرقاء.

لكن، أبعد من هذه المواقف والردود، التي تسلّل البعض من خلفها ليهدي نفسه “انتصارًا وهميًا”، ثمّة من يسأل، ماذا بعد جلسة البرلمان، خصوصًا أنّ الأجواء والمؤشّرات الأولية أوحت بتفاقم الأزمة الحكوميّة، لا بقرب “الفرج” كما منّى كثيرون النفس؟.

هل من “ثغرة” قد تكون جلسة البرلمان فتحتها، مباشرةً أو مواربة؟ وما دقّة الحديث عن “بدائل” قد يلجأ إليها المعنيّون في القادم من الأيام، لـ”تحريك” الملفّ الحكوميّ؟ وأيّ “فرصةٍ” لهذه الخطوات في تحقيق “الخرق” الموعود والمُنتظَر؟.

إلى الخلف دُر!

في المبدأ، ومن حيث الشكل، بدا أنّ جلسة البرلمان جاءت بمفعول “عكسيّ” بكلّ معنى الكلمة، فلا هي خرجت بموقف قويّ وصلب يمكن البناء عليه، سواء لداعمي رئيس الحكومة المكلَّف أو لخصومه، ولا هي نجحت في تحقيق “الحدّ الأدنى” المطلوب، لناحية إعادة النقاش الحكوميّ إلى “صلب” المؤسسات الدستوريّة، والبرلمان في المقدّمة.

ولعلّ بحث كلّ فريق عن “انتصار وهميّ” ليتباهى به بعد الجلسة خير دليلٍ على أنّ شيئًا لم يتغيّر، ففريق رئيس الحكومة المكلَّف لم يتردّد في التصويب على رئيس الجمهورية، واعتباره “المتضرّر الأكبر” من مجريات الجلسة، التي “أحرجت” الفريق الرئاسيّ، بعدما أعاد البرلمان، مجتمِعًا، “الحياة” إلى تكليف الحريري، بعيدًا عن أيّ فتاوى أو اجتهاداتٍ يسعى المقرّبون من رئيس الجمهورية إلى “فرضها” بقوّة الأمر الواقع منذ اليوم الأول.

أما فريق رئيس الجمهورية، فيعتبر أنّ الجلسة شكّلت “إحراجًا” غير مسبوق لرئيس الحكومة المكلَّف، الذي ثبُت ضعفه، سواء معنويًّا، من حيث الكلمة “النارية” التي أطلقها، والتي جاءت “خارج السياق”، وبما يناقض كلمة رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي مال نحو التهدئة، أو ميثاقيًا، بعدما تبيّن أنّ التأكيد على “التكليف” افتقر إلى دعم الكتلتين المسيحيتين الأكبر، وهو ما ينبغي أن يُقرَأ بتأنٍّ وتمعّن بطبيعة الحال.

وإذا كانت الأجواء العامة أوحت بأنّ ما بعد الجلسة هو تمامًا كما قبلها، لأنّ شيئًا لم يتغيّر على الأرض، وفي الواقع الملموس، فإن هناك من يخشى أن تكون الأمور قد تفاقمت أكثر، وفق منطق “إلى الخلف دُر”، خصوصًا أنّ الجلسة كرّست في مكانٍ ما “الطلاق” بين عون والحريري، والذي لا يبدو أنّ مساعي الوسطاء ستنجح في “تليين” المواقف على خطّه، بعدما أخفق رئيس البرلمان نبيه بري بدوره في “جمع” الحريري وباسيل.

“خطوات” على الطاولة

رغم ذلك، ثمّة من يؤكّد أنّ هناك “خطوات” وُضِعت على “نار هادئة”، وهي تُدرَس، لعلّها تنجح في إحداث “ثغرة” في الجدار المسدود، قد لا يكون رئيس مجلس النواب بعيدًا عنها، بعدما نجح إلى حدّ كبير في “إبعاد” كرة النار عن البرلمان، وقاد “حوارًا غير مباشر”، إن جاز التعبير، من خلال اللقاءات التي عقدها مع الحريري وباسيل وسواهما، وتشير التسريبات إلى أنّها لم تخلُ من بعض “الأفكار” القابلة للنقاش.

من هذه الأفكار، ما ورد على لسان باسيل نفسه في كلمته أمام مجلس النواب، عن “حوار” قد يدعو إليه رئيس الجمهورية، وهو ما قد يحظى بـ”مباركة” رئيس البرلمان، الذي لا يُستبعَد أن يحمل “العبء” عن عون إذا ما ضمن مقوّمات “النجاح”، خصوصًا أنّ مثل هذا الحوار، إن جمع رؤساء الكتل، من شأنه أن يشكّل “المَخرَج” الوحيد لجمع الحريري وباسيل على طاولة واحدة، ومن دون إحراج أو “كسر” أحد، إن جاز التعبير.

لكن، هناك من يعتقد أنّ خلف هذه الفكرة “مناورة” ما، باعتبار أنّ الحريري سبق أن أعلن “رفضه” لأيّ حوار، وهو يصرّ على أنّ مهمّة تأليف الحكومة مَنوطة به، بالتفاهم مع رئيس الجمهورية، وحده من دون أيّ شريك آخر، وبالتالي يُخشى أن تكون الدعوة إلى الحوار محاولة أخرى لـ”إحراجه”، تمهيدًا لإظهاره أمام الداخل والخارج وكأنّه يرفض “التناغم” مع كلّ الجهود والمحاولات، وبالتالي تحميله مسؤولية “التعطيل” كاملة، غير مجزّأة.

وتبقى الخطوة الأخيرة، التي ألمح إليها باسيل أيضًا في كلمته، والتي تقتضي حلّ مجلس النواب، عبر استقالةٍ جماعيّة مثلاً، للذهاب إلى انتخابات مبكرة، تجعل التكليف “في خبر كان”، إلا أنّ هذه الخطوة ستبقى مُستبعَدة حتى إشعارٍ آخر، وقد لا تُستخدَم سوى بداعي “الابتزاز”، خصوصًا أنّ “العونيّين” يدركون أنّ الانتخابات “غير المحبَّذة” من جانبهم في هذا التوقيت، هي “مرفوضة ومنبوذة” من جانب الحريري، للاعتبارات والحسابات الشعبيّة نفسها تقريبًا.

التعديل الدستوري المطلوب…

لا يبدو أنّ الخيارات كثيرة وواسعة أمام المعنيّين بتشكيل الحكومة، علمًا أنّ دونها جميعها عقبات قد لا تكون ببسيطة أو يسيرة، ما يجعل الخيار الأفضل والأمثل هو “التفاهم”، ولو بدا مهمّة تعجيزية وفق المُعطيات الحاليّة.

ولعلّ الخشية الأكبر أن تؤدّي كلّ الخيارات إلى النتيجة نفسها التي بلغتها “الرسالة الرئاسية” التي يلوّح بها الفريق الرئاسيّ منذ أشهر، فإذا بنتيجتها تأتي “باهتة”، ليس لضعفها، بل لتهالك النظام ومؤسساته بالدرجة الأولى.

ثمّة من يقول إنّ “أهمية” النقاش الحاصل تكمن في أنّه قد يفتح الباب أمام “تعديل دستوريّ” جذري ولا بدّ منه لتصحيح “الثغرات” القانونيّة الواضحة، لكنّه قد يصبح من “أوجب الواجبات”، وهو ما ألمح إليه رئيس “التيار الوطني الحر” بحديثه عن “مهل تقييديّة”.

إلا أنّ الخطورة تكمن هنا بالتحديد، فالتعديل الدستوريّ لا بدّ سيجرّ معه تعديلاتٍ أخرى، تعديلات يهرب منها الكثيرون منذ سنوات، بيد أنها آتية لا محالة، عاجلاً أم آجلاً، فالمراوحة ما عادت واردة ولا مقبولة!.

 

حسين عاصي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.