هذه هي خُطّة إعادة جزء من أموال المُودعين!

كرّر حاكم مَصرف لبنان رياض سلامة كلامه الإعلامي بشأن إعادة جزء من أموال المُودعين في المصارف إعتبارًا من نهاية حزيران. فهل هذا الكلام سيُنفّذ، وما هي المَعلومات الأوّليّة وغير النهائيّة المُتوفّرة بشأنه حتى الساعة؟.

أوّلاً: في بداية الأزمة الماليّة قامت المصارف، بتوجيهات من مصرف لبنان، بتسديد أموال أصحاب الحسابات المصرفيّة المُتواضعة، والتي تقل عن خمسة ملايين ليرة أو عن ثلاثة آلاف وثلاثمئة دولار أميركي. واليوم، تقضي خطّة المصرف المركزي بتسديد أموال أصحاب الحسابات الصغيرة التي تقلّ عن خمسين ألف دولار أميركي(1)، علمًا أنّ من يملكون حسابات أكبر سيحصلون بدورهم على جزء مُماثل من أموالهم، لكن بشكل مقطوع وغير نسبي أو تصاعدي.

ثانيًا: الهدف من هذه الخُطوة هو تخفيف المشاكل التي تتكاثر بين المصارف والمُودعين، ومُحاولة إعادة الثقة إلى المصارف وبالتالي تحريك الدورة الماليّة من جديد، ومُساعدة أوسع شرائح مُمكنة من الناس على الصُمود في ظلّ الإستفحال المُتوقّع للغلاء مع الترشيد المُستمرّ للدعم، وحثّ الناس بشكل غير مُباشر على ضخّ دولارات في السوق للإستفادة من سعر تصريف مُرتفع.

ثالثًا: في حال نجاح هذه الخطة، تكون المصارف قد أبقت على من يُصنّفون أصحاب الودائع الكبيرة، مع إسنثناءات محدودة(2)، علمًا أنّ الخُطط المُستقبليّة المَوضوعة للقطاع المصرفي تقضي بمُعالجة أموال هذه الفئة بأسلوب مُختلف، من بين بُنوده منح هؤلاء أسهمًا في المصارف، وبالتالي إشراكهم في أرباح المصارف المُستقبليّة.

رابعًا: لا تزال خطّة حاكم مصرف لبنان مدار مُناقشة وبحث مع المصارف، وهي لا تزال مشروعًا نظريًا، ولم تتحوّل بعد إلى تعميم على المصارف تنفيذه. وهذه الأخيرة أبدت إستعدادها للتعاون، لكنّها تحدّثت عن عدم إمكانها ذلك عمليًا، ما لم تحصل على التمويل اللازم! ويتردّد أنّ مصرف لبنان سيدفع قسم كبير من هذه الأموال من الإحتياطي الإلزامي المُتبقّي لديه والذي يعود أساسًا للمُودعين، وهو يُطالب المصارف بأن تُسدّد الجزء الباقي من أموال المُودعين بحوزتها، خاصة من الأموال التي تملكها في الخارج. وهنا لا يزال النقاش عالقًا، لجهة النسب المئويّة لتحمّل المسؤوليّة بين المصرف المركزي والمصارف، والقيمة النهائية لعمليّات التسديد المُرتقبة، والفترة الزمنيّة التي ستستغرقها، إلخ.

خامسًا: موعد البدء بالتسديد الذي حُدّد نظريًا إعتبارًا من نهاية حزيران ليس نهائيًا، بل هو مُرتبط بنتائج المُفاوضات القائمة حاليًا بين مصرف لبنان وجمعيّة المصارف. والنقاش يتناول سقف التسديد الذي حُدّد بما قيمته 25000 دولار أميركي نقدًا بالدولار، وبما قيمته 25000 دولار أميركي نقدًا بالليرة اللبنانيّة من حسابات المودعين بالدولار لكن على سعر الصرف في السوق، وليس وفق التعميم السابق الذي كان يقضي بدفع 3900000 ليرة لبنانية مقابل كل ألف دولار.

سادسًا: النقاش يتركّز حاليًا ما إذا كان المُودعون سيحصلون على 25000 دولارًا نقدًا، أم تبعًا لقيمة وديعتهم، بحيث يُمثّل هذا السقف الحد الأقصى، وهو ينخفض كلّما إنخفضت قيمة الحساب في المصرف. والنقاش يتركّز أيضًا ما إذا كان سيتمّ ربط سحب الدولارات بالليرة مع سحبها بالدولار، أم سيتم فصل عمليّتي السحب المَذكورتين عن بعضهما بعضًا. والنقاش يطال كذلك الأمر الفترة الزمنيّة للتسديد، حيث يضغط المصرف المركزي لأن تكون على مدى ثلاث سنوات كحدّ أقصى، وفق سُقوف شهريّة مُحدّدة تُطبّق على جميع المُودعين بشكل عادل. ويُعتقد أنّ القيمة الشهريّة للتسديد بالدولار ستقلّ عن ألف دولار أميركي شهريًا لكل مُودع، وهي قد تكون بحدود 700 دولار شهريًا، على أن يستمرّ تسديدها بشكل دوريّ على مدى 36 شهرًا، أي ثلاث سنوات.

في الختام، أموال المُودعين في المصارف هي حقّ لهم، ويكفي ما طالها من حجز غير قانوني منذ أكثر من سنة ونصف السنة، ومن “هيركات” غير قانوني من خلال السماح بسحب ما يوازي ثلث قيمتها فقط لا غير عند سحب الدولار وقبضه بالليرة اللبنانية على سعر جامد بعيد عن سعر السُوق الحقيقي. وإنجاح مشروع البدء بإعادة جزء من هذه الأموال إلى أصحابها، هو واجب على المصارف، الأمر الذي يستوجب العمل جديًا لتحقيق هذه الغاية، لترك بصيص أمل بإمكان إعادة إحياء القطاع المصرفي اللبناني في المُستقبل.

ناجي س. البستاني

(1)يُقدّر عددها بنحو مليون وثلاثمئة ألف حساب.
(2)بعض المُودعين يملكون حسابات تفوق قيمتها الخمسين ألف دولار، لكنّهم غير أثرياء إطلاقًا، وأموالهم هي نتيجة تقاضي تعويض عمل، أو بيع قطعة أرض، أو الحُصول على إرث، إلخ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.