هل يتعظ مجلس القضاء من أرقام إنتخابات الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد؟

مهما حاول مجلس القضاء الأعلى أن يسوّق لنجاح الإنتخابات التي أجريت الأحد لإنتخاب قاضيين عضوين في الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، أظهرت أرقام صناديق الإقتراع وجود شريحة واسعة معترضة على كل النهج القائم الذي يمثله الرئيس الأول سهيل عبود، وقد توزّعت هذه الشريحة بين مقاطع للعمليّة الإنتخابية بنسبة مرتفعة جداً وبين مشارك ولكن دعماً للقاضية تيزير علاوي التي فازت على رغم عدم تحضيرها للمعركة الإنتخابية كما يجب.

بالنسبة للذين قاطعوا، وفي قراءة للأرقام، يقول المتابعون للعملية الإنتخابية أن مشاركة 324 قاضياً من أصل 583 يشكلون الجمعية العموميّة لقضاة لبنان هي خير دليل على المشاركة الخجولة، وفي هذا السياق، هناك في الجمعية العمومية من يقول “لو لم يقرر نادي قضاة لبنان برئاسة القاضية أماني سلامه وفي اللحظات الأخيرة أن يؤمن النصاب المطلوب لإجراء الإنتخابات أي حضور 293 قاضياً للمشاركة في العملية الإنتخابية، لما تأمّن النصاب ولتمّ تأجيل الإنتخابات الى الدورة الثانية لإجرائها بمن حضر”. وهناك من يقول ايضاً إذا طرحنا من الأصوات الـ324 الذين شاركوا في العملية الإنتخابية 27 ورقة بيضاء، لانخفض عدد المشاركين من غير المعترضين الى 286 صوتاً أي الى ما دون النصاب القانوني للعملية الإنتخابية المحدّد بـ293 صوتاً، وهذا أمر يجب أن يقرأه جيداً مجلس القضاء الأعلى والرئيس سهيل عبود وكل من يحيط به. أضف الى كل ما تقدم، فقد شكّل فوز القاضية علاوي بـ100 صوت ومن دون أن تعدّ العدة للإنتخابات كما فعل غيرها الذي إتصل بالقضاة لحثهم على التصويت له، رسالة صارخة بوجه مجلس القضاء، من الشريحة المعارضة من القضاة التي فضلت المشاركة على المقاطعة، كيف لا، وهناك جو داخل الجمعيّة العمومية بأن الرئيس عبود كان يفضل أن يفوز الرئيس السابق لهيئة القضايا والإستشارات في وزارة العدل القاضي مروان كركبي، غير أن الاخير لم يتمكن من الفوز على رغم الدعم الذي حظي به ولم يتمكن من الحصول إلا على 82 صوتاً مقابل 100 لعلاوي و196 للقاضي كلود كرم مدعي عام جبل لبنان سابقاً.

وبعيداً عن لغة الأرقام، كثيرة هي الأسباب التي دفعت بهذه الشريحة من القضاة الى المقاطعة، ومهما حاول مجلس القضاء أن يقول أن سبب النسبة المرتفعة للمقاطعة مرتبط بأزمة المحروقات وأن القضاة هم في نهاية المطاف من الشعب اللبناني ويعانون كما يعاني من طوابير الذل على محطات المحروقات، تبقى الحقيقة في مكان آخر تماماً، لماذا؟ لأن القضاة يرفضون حصر الترشيح بالمتقاعدين، وهنا تسأل مصادر قضائية بارزة، كيف يمكن للقاضي ان يتقاعد في سن الـ68 وأن يكمل عمله في الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وكأنّ عمره يساعده على مهمة كهذه، أو كأن صحته وهمّته تتلاءمان مع صعوبة هذه المهمة في بلد لم يترك الفساد فيه مؤسسة عامة او إدارة إلا ونخرها.

أيضاً وأيضاً، أكثر ما دفع بالقضاة الى المقاطعة هو شرط أن يحصل المرشّح على منصب الشرف من مجلس القضاء أو ديوان المحاسبة أو مجلس شورى الدولة، والتجارب على هذا الصعيد غير مشجعة على الإطلاق إذ توزع مناصب الشرف هذه على قاعدة المحسوبيات اولاً وثانياً وثالثاً.

 في إنتخابات الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أوصل القضاة رسالتهم الى مجلسهم. رسالة كانت البداية لمزيد من الرسائل التي ستوجه وصولاً الى إقرار المطلب الأساس، ألا وهو إقرار قانون إستقلالية القضاء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.