الجديد: نهارٌ واحدٌ تَرك ثلاثَمئةٍ وخمساً وستينَ ليلةَ دمعٍ وحسْرةٍ وأهالٍ تنتظر ُالعدالةَ لمَن رحلوا

قالت الجديد في مقدمة نشرتها: ولمعتِ الثورةُ مِن رَحِمِ أحزانِ بيروت، مِن ترابٍ يتنشّقُ رائحةَ مِئتينِ وستةَ عشَرَ شهيدًا، ومن جراحِ مدينةٍ سُمّيت بأحلى الملِكات ودَفعَ أبناؤُها الجِزيةَ عن كلِّ الكلمات اختَصرت بيروتُ اليومَ حزنَ البشرية وقامت كحورية، فمشَت طريقَ الرابعِ مِن آبَ وأحيَت ذكراهُ من الوريدِ إلى الوريد هو النهارُ الطالِعُ مِن أرواحِ شهداءِ المرفأِ والجميزة والأشرفية وبُرج حمود والكرنيتنا ومشارفِ بحرِ المدنية. نهارٌ واحدٌ تَرك ثلاثَمئةٍ وخمساً وستينَ ليلةَ دمعٍ وحسْرةٍ وأهالٍ تنتظر ُالعدالةَ لمَن رحلوا، لكنّ كلّ الشموسِ التي أشرقت منذ عامٍ الى اليوم عُلقت على جدارِ السادسةِ والدقائقِ الثماني التي لم تتقدّمْ قيدَ أُمنيّة، وظلّت الحقيقةُ معَ وقفِ التنفيذ. هذه حقيقةُ بيروت التي مرّتِ اليومَ أمامَ أعينِ بنِيها، مشَت بينَنا في شوارعَ لا تزالُ تحمِلُ بصمةَ الإجرامِ المؤرّخِ قبلَ عامٍ واحد من دونِ ضبطِ مسؤولٍ واحد. رفعَ الأهالي ما تيسّرَ من أُمنيّاتِ طلباً لعدالةٍ محجوبة، توزّعوا بينَ الشاشاتِ يَهتِفونَ لمَن غابوا بأن حقيقتَهم لن تموت وأنّ حقَّهم مِن حقِّ بيروت وعدوا أحبّاءَهم بقدسيةِ القضية وبأن الأسماءَ الواردةَ على لوائحِ الموت ستحيا وإن كرِه المُحصَّنون الذين تحوّلوا إلى فيلقٍ مكروهٍ، محاصر، هاربٍ مِن وجهِ العدالة وإنْ على صَهوةِ قانونٍ ملعون. وهو القانونُ الذي سيَفصِلُ في النزاع، بينَ مجموعةٍ أصبحت “مارقةً” سياسياً، ومجموعاتٍ طالتها الجراحُ على جبهتَين: غيابِ الأحبّة وتغييبِ المحاسبة، ولم يعد لديها في جُمهوريةِ النتراتِ العظمى سِوى قاضٍ وطنيّ يتهيّأُ للقرارِ الظنيّ، ذلك أنّ انتظارَها حقيقةً مِن إنتاجِ الطبَقةِ الحاكمةِ كمَن ينتظرُ المُتّهمَ أن يُقدِمَ على إعدامِ نفسِه وعلى مدارِ عامٍ كامل. كان أهلُ الضحايا يستمعونَ إلى مواقفَ وتصريحاتٍ سياسيةٍ تُعلنُ أنّها تحتَ القانون وأنّ كلَّ مجرمٍ سينالُ عِقابَه، لكنّ هؤلاء كذّبوا وتهرّبوا واحتالوا ثُم لفُّوا سُمعتَهم بعريضةِ عارٍ نيابية. والعار، جلبَ الحديثَ عن “التار” القادمِ على قانونِ البيطار، فلو رأى ذوو الشّهداءِ والضحايا والجرحى أيَّ أملٍ في عنابرِ جُمهوريتِهم، لو جرى تقديمُ المسؤولينَ عن جريمةِ المرفأِ بينَ عهدَين قديمٍ وجديد، لارتاحت أنفسُ الغاضبين وهنّأت أرواحُ الغائبين. لكنْ وعلى مدى اثني عشَرَ شهرًا كانت العدالةُ تطاردُ المتهمين، والمتهمونَ يحتجبونَ وراءَ حَصانةٍ نيابيةٍ وثوبِ محامٍ ومجلسٍ أعلى لمحاكمةِ الرؤساءِ والوزراء، وهم صانعوه ومفخخو تركيبته العابرة للمساءلة. وبغيابِ الجهةِ المختصة لبتّ جريمةِ بيروت وارتفاعِ الحصاناتِ عالياً، يصبحُ قاضي التحقيقِ طارق البيطار مرجِعاً للمسحِ الزَلزاليّ وخبيراً محلّفاً لتقديمِ الجناةِ الى المحاكمة، وله رُفعت اليومَ الصلواتُ ايضاً لإبعادِ الابالسةِ السياسيين عن ميدانِه. ومن قلبِ المرفأِ وقداسِ الرحمة كانت الدعواتُ تتوالى الى المثولِ أمامَ القضاء لأنْ لا حصانةَ امامَ دماءِ الشهداء، وهي الكلمةُ التي رفعها كصلاةٍ البطريركُ الراعي من ساحةٍ شهِدت قبل عامٍ على جريمةِ القتلِ المشهود. والراعي جعلَ المرفأَ صرحاً وصلّى لبيروتَ عروسِ المتوسط قائلاً إنَّ الشعبَ لا يريدُ عرائض إنما حقائق وواجبٌ على كلِّ مدعوٍّ للإدلاءِ بشهادتِه أن يَمتثلَ للقضاءِ من دونِ ذرائعَ وحُجج، وقال: العدالةُ ليست مطلَبَ عائلاتِ الضحايا فقط بل الشعبِ كلِّه، ونحن نريدُ ان نعرفَ مَن أتى بالموادِّ المتفجرة، من هو صاحبُها الاول والاخيرة؟ من سمحَ بإنزالِها؟ من سمح بتخزينها مَن سحب منها كمياتٍ والى اين ارسلت؟ من عرَفَ خطرَها وتغاضى عنها ومن طلَبَ اليه التغاضي؟ من فجّرها وكيف تفجّرت؟ هذه الأسئلةُ واجبُ أجوبتِها أيضاً علينا: صِحافة استقصائية أبحرت من ميناءِ بيروت وصعِدت على متنِ بابور الموت، ليس طعمًا بسَبْق إنما بترسيمِ الحقيقةِ وتحديدِ المسؤوليات وزعزعةِ الارتياب الذي أرادوه مشروعًا وصولاً الى الحُكمِ بالعدل، ومنذ سنةٍ الى اليوم تُجري قناةُ الجديد تحقيقاتِها الصحافيةَ وتدخلُ العنبرَ من جهاتٍ أربع وتعاينُ الحقيقةَ والنترات قبل التفجيرِ والأكياس التي تبينَ بالأمس بالصورِ القاطعة للشك أنها تعرّضت للسرِقة. وكَشف الزملاءُ رياض قبيس وفراس حاطوم وليال بو موسى وهادي الأمين وحليمة طبيعة على طولِ السنةِ وعرضِها عدداً من الوثائقِ عن باخرةِ الأمونيوم روسوس ووصولِها ووكيلِها البحري والمراسلاتِ الإلكترونيةِ والهاتفية ما يُثبتُ تُهمةَ الإهمالِ على الدولةِ الذي يبلُغُ حدَّ التواطؤ، ومستمرون في المُهمة من دونِ حَصانات. وحياة اللي راحوا، هي العبارةُ التي لن تُشبهَ إلا نفسَها، وقَسَمَها ووعدَها ودماءَ شهدائِها وهو الوعدُ العهد، القاطعُ كالعدل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.