اتفاق ترسيم الحدود: خط عوامات على عنق لبنان واسرائيل

بين المدّ والجزر، يتخبّط مركب اتفاق ترسيم الحدود البحرية الجنوبية في بحر التوقعات، وهو يقترب حيناً من شاطئ التوقيع ويبتعد احياناً عنه. آخر احوال الارصاد الدبلوماسيّة رصدت انقشاعاً في الاجواء قد تؤدّي الى وصول المركب الى شاطئ الامان قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون نهاية الشهر الحالي.

في الواقع، هناك نقطة محورية يدور حولها الاتفاق، وتتعلق بخط عوّامات بحري على بعد 5 كيلومترات من رأس الناقورة، كانت وضعته القواتالإسرائيليّة في عام 2000 لتثبيت الحدود البحريّة، الا ان لبنان لم يوافق عليه في حينه وبقي على موقفه حتى الآن.
في هذا السياق، يمكن القول ان الاتفاق يشكل طوق نجاة للبنان واسرائيل على حدّ سواء، فهو اتى في وقت حسّاس يعيشه العالم على صعيد الطاقة فرضته الحرب بين روسيا واوكرانيا، وفي ظل دعم غير مسبوق للولايات المتحدة للاسراع بانجاز الاتفاق وتخطّي العراقيل. هذا الاتفاق يستفيد منه لبنان بطبيعة الحال، وهو الذي يتخبّط بأزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة، فعلى الرغم من انه لن يكون قادراً على استغلال استثمار ما سيصدر من نفط وغاز قبل سنوات، الا انه سيكون قد دخل نادي الدول النفطية وستكون الامور اكثر ايجابية بالنسبة اليه على الصعيد السياسي والامني لان الاهتمام الدولي به سيتعزز اكثر فأكثر كونه يتمتع بالثروة الطبيعية التي يسهل الوصول اليها اكثر من غيره من الدول، فأطماع الدول ستزداد وستتزين الشواطئ اللبنانية بشركات بحريّة من جنسيات مختلفة (ابرزها فرنسية واميركية).

على الخطّ الاسرائيلي، سينعم الاسرائيليّون بمردود اضافي جراء ازالة كل ضغط او قلق من تحركات وتهديدات حزب الله ومن خلفه ايران عن الشركات الاجنبية التي ستتولى التنقيب عن النفط والغاز. وبين هذا وذاك، كان لا بد من تخطي عقبات سياسية عديدة، اذ في لبنان يدور الصراع حول هوية المستفيد من ثمار هذا الاتفاق، فرئيس الجمهورية يرغب في ضمّ هذا الانجاز ولو في اللحظات الاخيرة للعهد، ورئيس مجلس النواب نبيه بري لا يريد ان يكون خارج الصورة بعد ان برز في الاعلام على انه الشخص الذي يقف خلف مسار هذا الاتفاق وانه كان عرابه الحقيقي. اما رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي فيرغب في ان يظهر على انه الرجل الذي يمكنه ادارة هذه “الفرصة النادرة” ليبني عليها آمالاً طويلة الامد للبقاء في الحياة السياسية، من دون ان ننسى حزب الله الذي لم يفوّت الفرصة للقول للجميع ان الاتفاق لم يكن ليصبح حقيقة لولا دوره، وبالتالي فإن الاعتراف به لم يعد يقتصر على لبنان بل اصبح لاعباً اقليمياً على الساحة.

هذا من الجهة اللبنانية، اما من الجهة الاسرائيلية، فآمال السياسيين الحاليين معلّقة على اظهار انهم قادرون على ادخال اسرائيل في مسار الاتفاقات مع اصعب واشرس الخصوم اي لبنان وحزب الله، من دون وجود بنيامين نتانياهو في الحكم، وان اسرائيل لم تعد تحتاجه كي تتخذ قرارات مصيريّة بهذا الحجم. من هنا، كان لا بد من اللعب على وتر “خط العوامات” الذي يريده الاسرائيليون سلاحاً في يدهم لابرازه على انه المكسب الاهم في الاتفاق، فيما يشدّد لبنان على انّ هذا الخط الذي يلعب دور طوق نجاة للمسؤولين الاسرائيليين، هو في الواقع يشكل ثقلاً كبيراً على عنق لبنان ولن يقبل به. من المتوقّع ان يبقى الغموض سيّد الموقف حتى بعد توقيع الاتفاق، على غرار الخطّ الازرق الذي كسب تأييد الامم المتحدة منذ اكثر من 20 سنة، فيما لا يزال عملياً رمادي الهويّة فهو ليس حدوداً بالمعنى الصريح للكلمة، الا انه يشكل حدوداً مفترضة نجحت في ابقاء كل طرف على جانبي الخط.

                                                                                                                                              طوني خوري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.