مسؤولون خارج العصر لا يدركون أولويات المواطنين

من خارج السياق العام القائم في البلاد، حيث كان اللبنانيون يرصدون تداعيات الانهيار الحاصل في عملتهم الوطنية، بعد أن كان سعر الصرف في السوق السوداء قد تخطى عتبة 145 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد، فجّر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، نزولاً عند رغبة رئيس المجلس النيابي نبيه بري في لقائهما الأخير، “أزمة” من نوع مختلف بعد أن قرر تأجيل بدء العمل بالتوقيت الصيفي، دون الأخذ بعين الإعتبار التداعيات المترتبة على ذلك، سواء على الصعيد التقني أو الاقتصادي أو على مستوى حركة الطيران.
بغض النظر عن طبيعة القرار، فإن مشهد التداول به، الذي تم تناقله عبر وسائل الاعلام، يوحي بالخفة والعشوائية في التعاطي مع مختلف القضايا العامة، لا سيما أن النقاش فيه كان على هامش اجتماع لم يكن هذا الموضوع على جدول أعماله، في حين أن رئيس حكومة تصريف الأعمال كان يؤكد أنه لم يعد من الممكن صدوره، قبل أن يقرر، بعد مغادرته عين التينة مباشرة، أن يعطي توجيهاته من أجل السير به، من دون أن يوضح الأسباب التي دفعت إلى ذلك.
خلال ساعات، باتت هذه القضية على رأس قائمة النقاشات اليومية، يتحدث بها الجميع من مواطنين ومسؤولين، حتى باتت هي السبب الذي يدفع ميقاتي إلى تأجيل جلسة مجلس الوزراء، التي كان من المقرر أن تنعقد الاثنين المقبل، بالرغم من أهمية البند الموضوع على جدول أعمالها، والمتعلق بمعالجة مسألة رواتب الموظفين في القطاع العام، في حين أن الحل المطلوب بسيط جداً، ولا يتطلب منه إلا التراجع عن قراره غير منطقي، يوحي بأن كل من يقف خلفه يعيش خارج العصر.
في ظل الواقع الذي قادت إليه هذه “الأزمة”، من الضروري السؤال عن الأسباب التي دفعت إلى أخذ هذا القرار، لا سيما أن البلاد غارقة في مجموعة واسعة من الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية، التي تتطلب من رئيسي المجلس النيابي وحكومة تصريف الأعمال البحث في كيفية معالجتها، بدل التلهي بأمور لا تقدم ولا تؤخر في حياة المواطنين، الذين يعانون من التدهور الحاصل على كافة المستويات.
في الصورة العامة، هناك من أوحى بأن الأمر متعلق بالصوم عند المسلمين، حيث قرر الرجلان أن يقدما “خدمة” إلى المؤمنين عبر تقريب موعد الإفطار ساعة، ولذلك قد يكون من المفيد دعوتهما إلى التفكير بأمور قد تكون أكثر أهمية، منها البحث في كيفية ضبط أسعار المواد الغذائية التي ترتفع بشكل جنوني يومياً، أو التركيز على كيفية معالجة الإنهيار الحاصل في قيمة العملة الوطنية، لا سيما في ظل التداعيات الخطيرة التي يتركها على معيشة المواطنين، خصوصاً بعد أن قادت إلى تأكل قيمة الرواتب والأجور التي تدفع بالليرة اللبنانية.
بالإضافة إلى ما تقدم، من الممكن دعوتهما أيضاً إلى التفكير في كيفية معالجة الأزمات التي يمر بها القطاعين الطبي والتربوي، حيث الهم الأساسي الذي يشغل بال جميع المواطنين في الوقت الراهن، أو في كيفية العمل الجدي على معالجة الشلل القائم في إدارات الدولة، بسبب إضراب الموظفين المستمر ولو بشكل متقطع من أشهر طويلة، وفي حال نجاحهما في معالجة أي من الملفات المقترحة، بدل الإكتفاء بالوعود الفارغة، يكونان فعلياً قدما خدمة إلى جميع المواطنين دون استثناء.
قد يكون من سخرية القدر أن صدور هذا القرار تزامن مع تصريحات لرئيس بعثة صندوق النقد الدولي أرنستو راميريز ريغو، حذر فيها من أن لبنان في لحظة خطيرة للغاية، مشدداً على أن التقاعس عن اتخاذ إجراءات مطلوبة من شأنه أن يدخل البلاد في أزمة لا نهاية لها، الأمر الذي يؤكد أن المسؤولين في هذا البلاد يعيشون على كوكب آخر، أو أنهم غير مدركين لحقيقة ما يحصل على أرض الواقع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.