التمديد لقائد الجيش “شبه محسوم”… ماذا عن سيناريوهات “الطعن”؟!

على وقع الاشتباكات المتواصلة على الحدود الجنوبية، توازيًا مع الحرب الإسرائيلية التي دخلت شهرها الثالث على قطاع غزة، فيما يتفرّج العالم على المجازر بحق المدنيين والآمنين، تتفرّغ السياسة المحلية لملف واحد، لا عنوان يتقدّم عليه هذه الأيام، ألا وهو التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون، مع بدء العدّ العكسي لانتهاء ولايته القانونية في العاشر من كانون الثاني المقبل، وسط مخاوف من “شغور” يمكن أن يهزّ المؤسسة العسكرية.

وفي حين يراوح الانقسام في مقاربة هذا الملفّ مكانه، في ضوء تمسّك “التيار الوطني الحر” بقيادة الوزير السابق جبران باسيل بموقفه الرافض للتمديد بالمُطلَق، واعتقاده أنّ “البدائل القانونية” متوافرة، بعكس ما يروّج له الداعمون للتمديد، يصرّ خصومه على أنّ موقفهم هو “المبدئي”، انطلاقًا من وجوب تأمين “الحصانة” لمؤسسة الجيش، خصوصًا في ظل الظروف الدقيقة والاستثنائية التي تمرّ بها البلاد هذه الأيام.

وبالتوازي، يستمرّ تبادل الاتهامات بين الطرفين، إذ يعتبر خصوم باسيل أنّ موقفه نابع من “نكايات وكيديات”، ولا يتوخى من خلاله سوى إلى “إزاحة” عون من المشهد السياسي، وبالتالي سحب اسمه من “البازار الرئاسي”، فيما يتّهم المحسوبون عليه هؤلاء بالخروج على كلّ المبادئ والثوابت التي يعلنونها، والانصياع لرغبات الخارج، خصوصًا بعدما تبيّن أنّ التمديد لقائد الجيش “مطلب غربي”، وهو ما كشفته زيارات الموفدين الدوليين الأخيرة.

لكن، على الرغم من هذا الانقسام، والسجالات التي يخلّفها على الساحة السياسية، والتي لا يتوقّع أنّها ستنتهي عمّا قريب، تتقاطع المعطيات السياسية عند تأكيد أنّ التمديد لقائد الجيش بات “شبه محسوم”، وعلى الأرجح من خلال مجلس النواب لتعذّر حصول التوافق المطلوب في الحكومة، ليبقى السؤال مشروعًا عن التداعيات والتبعات، خصوصًا على مستوى “الطعن” الذي لوّح به باسيل أكثر من مرّة، فهل يُقبَل، وما هي سيناريوهاته المحتملة؟.

في المبدأ، يقول العارفون إنّ مسار “التمديد” لقائد الجيش بات شبه محسوم، وشبه واضح أيضًا، إذ يرجّح أن يتمّ من خلال مجلس النواب، الذي بدأ التحضير لجلسة تشريعية سيكون هذا الملف أحد بنودها، على الرغم من وجود بعض النقاط العالقة التي لا تزال بحاجة لحسم، منها “دمج” اقتراحات القوانين المرتبطة بالتمديد لقادة الأجهزة الأمنية، فضلاً عن موقف قوى المعارضة إذا ما كان جدول الأعمال “فضفاضًا”، كما تروّج بعض الأوساط.

الأكيد، بحسب ما يؤكد المتابعون، أنّ قوى المعارضة كانت تفضّل أن يتمّ “إخراج” التمديد من خلال الحكومة، باعتبار أنّ ذلك كان من شأنها تجنيبها “الإحراج” الذي ستسبّبه مشاركتها في جلسة تشريعية “كاملة المواصفات”، بعدما رفعت شعار “لا للتشريع في ظلّ الفراغ الرئاسي”، ولو أنّها تبرّر خروجها عليه بالوضع الدقيق والاستثنائي للمؤسسة العسكرية، علمًا أنّها رفضت في السابق إعطاء أي “استثناء” حتى للمواضيع التي تعنى بشؤون المواطنين الملحّة.

وفي حين يتحدّث البعض عن “تفاوت” في موقف المعارضة من المشاركة في الجلسة، مع ميل شريحة واسعة من مكوّناتها للحضور، من منطلق أنّ “المصلحة الوطنية العليا” تفرض المشاركة، تفاديًا لشغور لا تحمد عقباه في المؤسسة العسكرية، مع ما تشكّله من “ضمانة” للبنانيين، لا يزال طيف من المعارضة ميّالاً لعدم الحضور، بل إنّ قوى أساسية قد تقاطع، إذا ما وجدت أنّ النصاب مؤمَّن بغيابها، فتسجّل نقطة حتى على “حلفائها”، إن جاز التعبير.

ولعلّ الموقف الذي يترقّبه كثيرون أيضًا، يتمثّل في طريقة تعامل مع “حزب الله” في هذه الجلسة، سواء على صعيد الحضور أو التصويت، في وقت يؤكد محسوبون عليه أنّه “سيراعي” باسيل ولن يُغضِبه، وبالتالي فقد لا يحضر بكامل عديده، وقد لا يصوّت للتمديد، ولو أنّ هناك من يعتقد أنّ ذلك لن “ينطلي” على باسيل، الذي يدرك أنّ الجلسة لم تكن لتُعقَد لو أنّ الحزب لم يكن “موافقًا ضمنيًا” على التمديد، وهو ما تؤكده أوساط سياسية متقاطعة منذ فترة.

لكن، أبعد من ذلك، قد يكون السؤال الجوهري المطروح هو: كيف سيتصرّف “التيار” مع مفاعيل الجلسة، إذا ما عُقدت؟ وكيف سيتعامل مع التمديد لقائد الجيش، إذا ما أقرّ رغم موقفه المعارض؟ أيّ تداعيات “سياسية” لمثل هذه الخطوة، خصوصًا على مستوى العلاقة مع “حزب الله”، التي يبدو أنّها ستتوتر من جديد، بعد “انفراجة مؤقتة”؟ لكن، قبل ذلك، أي تبعات “قانونية”، خصوصًا إذا ما مضى في “الطعن” بقرار التمديد، وصولاً لحدّ “تجميد” تنفيذه؟.

فيما يفضّل المحسوبون على “التيار” تأجيل الحديث عن التبعات السياسية بانتظار “نضوج” الظروف، واتضاح المعطيات، وإن كانت المعادلة بالنسبة إليه واضحة، وقوامها أن “ما بعد التمديد لقائد الجيش لن يكون كما قبله”، يؤكدون أنّ كلّ السيناريوهات والاحتمالات تبقى مفتوحة، بالنسبة إلى طريقة التعامل مع مثل هذا التمديد “غير القانوني”، والتصدّي له بكل الوسائل المُتاحة والمشروعة، بما في ذلك الطعن بقانونه أمام المجلس الدستوري.

ومع أنّ أوساط “التيار” تعتبر أنّ الطعن متروك لما بعد صدور القانون، لأنه سيكون مبنيًا على صيغته النهائية، التي سيدرسها “التيار” بعناية، قبل أن يقدم على أيّ خطوة، خلافًا للمعلومات المتداولة عن أنّ الطعن بات “جاهزًا”، فإنّها تشير إلى أنّ “التهويل” بأنّ مثل هذا الطعن قد يؤدي إلى “شغور” لا قيمة قانونية لها، لأنّ ذلك سيثبّت موقف “التيار” عن أنّ البدائل مُتاحة في متن القانون والدستور، الذي لا يعترف بشيء اسمه “فراغ” في المؤسسة العسكرية.

لكن، بقدر ما يبدو “التيار” مطمئنًا بأنّ الطعن بقانون التمديد، إن قدّمه، سيكون “رابحًا”، لأنّه يستند إلى “ظروف قاهرة” غير موجودة، طالما أنّ البدائل القانونية متوافرة، يبدو خصومه “مرتاحين” أيضًا بأنّ التمديد “سالك”، وأنّ الطعن به “خاسر” قبل أن يقدَّم، بل يعتقدون أنّ المجلس الدستوري لن يجمّد تنفيذ القانون، حتى لو تلقّى طعنًا، لأنّه يدرك تبعات بقاء المؤسسة العسكرية من دون قائد، ولو ليوم واحد فقط.

ولعلّ أكثر من “يريح بال” الداعمين للتمديد، هو أنّ القانون الذي قد يصدر عن مجلس النواب برأيهم “محصَّن”، خصوصًا إذا ما اعتمد على “دمج” اقتراحات القوانين، ما ينفي عنه صفة “المفصّل على قياس الشخص”، بل يثبّت “شموليته وعموميته”، بحيث يحدّد قاعدة عامة حول سنّ “التقاعد”، يستفيد منها كلّ من تسري عليه، وليس القائد الحالي بشخصه، والأهم من ذلك، أنه يبتعد في الجوهر عن عبارة “لمرة واحدة فقط” التي كرّستها قوانين التمديد السابقة.

قد يبدو مسلَّمًا به أنّ التمديد لقائد الجيش سيمرّ عبر مجلس النواب، مستندًا إلى “غطاء” كنسيّ يمثّله موقف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الحازم، وآخر خارجيّ عبّر عنه الموفدون الدوليون، وخصوصًا الفرنسيّون. لكن ما قد يكون مسلّمًا به أيضًا، أنّ هذه الخطوة إن تمّت، لن تكون النهاية، بل مجرّد “جولة” في مسلسل “الانقسام”، الذي يترك كرسيّ الرئاسة شاغرًا في قصر بعبدا، منذ أكثر من عام كامل!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.