الجبهة الجنوبية بين العوامل الحاكمة والسيناريوهات المحتملة

ايظهر التصعيد القائم على مستوى الجبهة الجنوبية، أن الجانب الإسرائيلي لم يعد قادراً على تحمل بقاء الأمور على ما هي عليه اليوم، وهو ما يدفعه إلى المبادرة نحو التصعيد، سواء من خلال توسيع رقعة الغارات التي ينفذها إلى مناطق بعيدة عن الحدود، أو من خلال التمادي في استهداف المدنيين.

هذا الواقع، في المقابل، يدفع “حزب الله” إلى تصعيد مقابل، الهدف الأساسي منه منع الإسرائيلي من التمادي أكثر، أو فرضه معادلات جديدة في المواجهة، الأمر الذي ظهر، في الأسبوع الماضي، من خلال إستخدام الصواريخ الثقيلة في استهداف المستوطنات، أو في الذهاب الى استهداف مستوطنات لم تُقصف طوال الفترة الماضية، في إطار السعي إلى إعادة تثبيت المعادلات الردعية.

ما تقدم، يدفع إلى طرح العديد من السيناريوهات حول مستقبل الوضع على هذه الجبهة، التي ترتبط، من وجهة نظر الحزب، بالأوضاع على مستوى جبهة غزّة بوصفها جبهة مُساندة، بينما لا يسلم الجانب الإسرائيلي، بحسب تصريحات مسؤوليه، بهذا الربط، وبات يهدد بالذهاب إلى عملية عسكرية ضد لبنان، عند توقف العدوان على غزة أو خلاله.

حتى الآن، يمكن الحديث عن 3 عوامل تحول دون ذهاب تل أبيب إلى عملية عسكرية واسعة على الجبهة الجنوبية: الأول هو الموقف الأميركي المعارض لهذا الأمر، بينما إسرائيل غير قادرة على الذهاب إلى مواجهة من هذا النوع من دون غطاء من واشنطن. الثاني هو قدرات الحزب، التي تفوق بأضعاف تلك الموجودة لدى حركة “حماس” في غزة، ومن الطبيعي أن يأخذ الجانب الإسرائيلي هذا الأمر بعين الإعتبار عند التفكير في أي خيار. أما الثالث فهو الواقع الإسرائيلي الداخلي، الذي لا ينفصل عن واقع الجيش، الذي لا يبدو أنه جاهز لخوض معركة جديدة على جبهة أصعب، بينما هو لا يزال عاجز عن تحقيق أهدافه في غزة.

في المقابل، ما تقدم لا ينبغي أن يلغي باقي الفرضيات التي تبقى قائمة، طالما أن الأعمال العسكرية على هذه الجبهة مستمرة، خصوصاً أن احتمالات الخطأ في تقدير الحسابات لا يجب أن تخرج من دائرة الاحتمالات، ما يدفع إلى الحديث عن السيناريوهات التالية:

السيناريو الأول: أن تبادر تل أبيب إلى شن عملية عسكرية ضد لبنان، انطلاقاً من التهديدات التي يطلقها المسؤولون الإسرائيليون، خصوصاً أن هذه العملية قد تكون بمثابة الهروب إلى الأمام بالنسبة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو. مع العلم أن هذا السيناريو يبقى مستبعداً في الوقت الحالي، بسبب الحاجة إلى الغطاء الأميركي، بغض النظر عن الخلافات في وجهات النظر بين الجانبين حول إدارة الحرب في غزة.

السيناريو الثاني: بقاء الأوضاع على ما هي عليه اليوم، ضمن معادلة التصعيد والتصعيد المقابل الذي لا يقود إلى المواجهة الشاملة أو الحرب المفتوحة. من حيث المبدأ، هذا السيناريو هو المرجح في المرحلة الراهنة، طالما أن الحرب في غزة مستمرة، لكن ذلك لا يلغي فرضية خروج الأمور عن السيطرة، سواء نتيجة تقدير غير محسوب النتائج، أو بناء على تطور العمليات العسكرية في غزة، لا سيما إذا ما بادرت تل أبيب إلى تنفيذ عملية عسكرية في رفح.

السيناريو الثالث: قد يكون هو الخيار الأفضل على المستوى اللبناني، أي الوصول إلى تسوية في غزة تقود إلى أخرى على مستوى جبهة الجنوب، خصوصاً أن الولايات المتحدة تنتظر الفرصة المناسبة لتحريك وساطة هادفة إلى ذلك، بحسب ما تعلن. الا أن هذا السيناريو، لا يزال يصطدم بالصعوبات التي تواجهها مفاوضات الهدنة أو وقف إطلاق النار في القطاع.

في المحصّلة، هذه هي العوامل الحاكمة والسيناريوهات المحتملة على هذه الجبهة، من دون أن يلغي ذلك إحتمال حصول مفاجآت في المرحلة المقبلة، خصوصاً في ظل التطورات المتسارعة على مستوى المنطقة منذ السابع من تشرين الأول الماضي، أي تاريخ بدء عملية “طوفان الأقصى”، التي حملت معها تداعيات كبرى لا يستهان بها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.