التراجيديا السورية اللبنانية: نزوح بلا نهاية ورهانات دولية معلقة

تتجلى المأساة السورية اللبنانية في مشاهد الهمجية والنزوح المستمر، حيث يرزح البلدان تحت وطأة أزمات إنسانية وسياسية متداخلة. منذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، شهد لبنان تدفقًا غير مسبوق للنازحين السوريين، الذين تجاوز عددهم المليون ونصف المليون شخص. رغم انتهاء الحرب رسميًا واستمرار بشار الأسد في الحكم لفترة، رفض معظم النازحين العودة إلى سوريا بذريعة معارضتهم للنظام، مستفيدين من دعم الأمم المتحدة والدول الغربية التي ضغطت على لبنان لاستضافتهم.

اليوم، ومع رحيل الأسد وتسلم أبو محمد الجولاني وفصائل أخرى زمام الأمور في سوريا، تغير المشهد قليلاً ولكن دون حل جذري. الدول الداعمة للوضع الجديد استمرت في تشجيع بقاء النازحين في لبنان، حتى وإن كانوا مؤيدين للنظام السابق أو السلطة الحالية. وفي الوقت نفسه، يواجه لبنان موجة جديدة من النزوح تشمل “المغضوب عليهم” من السلطة السورية الجديدة، بالإضافة إلى مرتزقة أجانب وجماعات تكفيرية إرهابية، مما يزيد من تعقيد الوضع اللبناني.

هذا الواقع المأساوي يضع اللبنانيين أمام معضلة: هل يتعاطفون مع النازحين الجدد الفارين من بطش المنظمات الجديدة أم يركزون على معاناتهم هم أنفسهم؟ فاللبنانيون يعيشون بين عدو معلن هو إسرائيل وعدو خفي تمثله السياسات الإقليمية التي تستغل الأزمات السورية لتحقيق أجنداتها على حساب لبنان.

الأسئلة الكبرى تبقى حول إمكانية وضع حد لهذه التراجيديا. يبدو أن الدول المعنية لا ترغب في حل المشكلة، إذ تنتظر ظروفًا تنضج لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. لو أعلن لبنان وسوريا استعدادهما للتطبيع، لحلت مشاكلهما فورًا، كما فعلت بعض الدول الأخرى. هذا ما كشفته تسريبات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي ربط رفع العقوبات عن إيران بترك إسرائيل بسلام.

للأسف، لا يبدو أن هناك أملًا في إصلاح الوضع قريبًا، فالمسؤولون اللبنانيون والسوريون محاصرون في “أنفاق” المصالح الخارجية، في انتظار صفقات قد تأتي أو لا تأتي. وبينما يترقب اللبنانيون بصيص نور، يبدو أن الانسداد السياسي والإنساني سيطول قبل أي انفراج حقيقي.

في سياق متّصل، يلعب المجتمع الدولي دورًا محوريًا في معالجة أزمة النازحين السوريين، حيث يُعتبر دعمه ضرورة لضمان استقرار المنطقة وتجنب تفاقم الأوضاع الإنسانية والاجتماعية. رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي طالب “المجتمع الدولي بدعم لبنان لمعالجة أزمة النازحين السوريين”، مشيرًا إلى أن تعاظم هذه الأزمة يشكل خطرًا على لبنان ونسيجه الاجتماعي.

من جهة أخرى، تشير التقارير إلى أن استمرار النزوح يؤثر سلبًا على الاقتصاد المحلي في المناطق التي يستقر فيها النازحون، حيث يؤدي إلى زيادة معدلات البطالة والضغط على البنية التحتية. على سبيل المثال، هناك قلق من ارتفاع معدلات البطالة في مناطق مثل السماقية والريحانية والحيصة بسبب تدفق النازحين.

في الوقت نفسه، يُلاحظ أن غالبية النازحين السوريين في لبنان حاليا يقال أنهم هاربون من النظام السوري الجديد ورئيسه احمد الشرع (الجولاني) بسبب المجازر الّتي ارتكبتها “هيئة تحرير الشام” المصنّفة ارهابيّة بحقّ الأقلّيات.

على المستوى الإقليمي، تُعتبر الحرب في سوريا الدافع الأكبر للنزوح القسري، حيث بلغ عدد النازحين السوريين في المنطقة 4.8 ملايين لاجئ، بالإضافة إلى المشردين داخليًا. ومن هنا، تأتي أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه المجتمع الدولي في تقديم المساعدات المالية والإنسانية. على سبيل المثال، تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم 6.9 مليار يورو لدعم سوريا والدول المستضيفة للنازحين خلال مؤتمر بروكسل الرابع .

بالتالي، يبقى دور المجتمع الدولي حاسمًا في تحقيق الاستقرار، سواء من خلال تقديم الدعم المالي أو الضغط من أجل حلول سياسية تضع حدًا لهذه الأزمة المستمرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.