رفع السودان من قائمة الإرهاب
تسود مشاعر مختلطة حول إمكانية حدوث اختراق ما بشأن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب والتي كبدت البلاد أضرار سياسية بالغة وخسائر اقتصادية قدرت بنحو 350 مليار دولار خلال الأعوام الـ 26 الماضية.
وبدأ رئيس الوزراء السوداني، عبدالله حمدوك ، السبت، زيارة للعاصمة الأميركية واشنطن تستمر 6 أيام يجري خلالها محادثات مكثفة مع عدد من المسؤولين الأميركيين.
وفيما يرى سودانيون أن ثورة ديسمبر التي أزاحت نظام المؤتمر الوطني الذي وضع السودان في هذا المأزق يجب أن تشكل دافعا للإدارة الأميركية لرفع اسم السودان من القائمة، وبالتالي عدم معاقبة الشعب السوداني الرافض لسياسات النظام البائد.
يقول آخرون إن الخروج من الورطة ليس بالسهولة المتوقعة، إذ يتطلب الأمر إجراءات روتينية تمر عبر عدد من المؤسسات ودوائر القرار في الولايات المتحدة الأميركية.
إضافة إلى الضرر الكبير الذي لحق بسمعة السودان، فقد أحدث وضع السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب خسائر مالية مباشرة وغير مباشرة قدرت بنحو 350 مليار دولار منذ العام 1993 وحتى الآن.
وتتراوح الخسائر المباشرة بين 125 و 135 مليار دولار بما في ذلك توقف تدفق القروض والتسهيلات والمنح الدولية، إضافة إلى خسائر الصادرات.
كما فقد السودان نسبة كبيرة من أساطيله الجوية والبحرية بسبب نقص قطع الغيار، ووقف أعمال الصيانة، إضافة إلى فقدان حقب كاملة من التطورات التكنولوجية التي كان بالإمكان الاستفادة منها في عملية النمو الاقتصادي.
وأدى كل ذلك إلى اختلالات مالية واقتصادية ضخمة تجسدت أبرز ملامحها في تدهور قيمة الجنيه السوداني، لتصل مجمل خسائر تلك الاختلالات إلى نحو 120 مليار دولار.
يحمل حمدوك في حقيبته عدد من الأوراق الرابحة التي يمكن أن تقنع إدارة ترامب باتخاذ الإجراءات اللازمة لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، فالرجل نجح قبل ساعات من بدء رحلته إلى واشنطن في تمرير قوانين مهمة تصب في اتجاه إثبات حالة التحول الكبيرة التي يمر بها السودان في مرحلة ما بعد الثورة.
وشملت تلك القوانين قانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 والذي كان السبب الرئيسي في وضع السودان في مأزق الإرهاب، إضافة إلى إلغاء قانون النظام العام سيء السمعة والمقيد للحريات والذي لطالما انتقدته الإدارة الأميركية.
كما أصدر مجلس الوزراء السوداني الأسبوع الماضي قرارا بوقف أنشطة أكثر من 25 منظمة إخوانية كان معظمها يمارس أنشطة مشبوهة، بل أن بعضها كان سببا مباشرا في جلب زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وعدد من الإرهابيين الدوليين إلى السودان في مطلع التسعينيات.
يرى مراقبون أن حمدوك ليس بحاجة لجهد كبير ليشرح لواشنطن كيف أن الشعب السوداني هو مجرد ضحية لمغامرات نظام المؤتمر الوطني الذي أطاحت به في الحادي عشر من أبريل 2019 ثورة شعبية تتسق شعاراتها تماما مع المبادئ الدولية الرامية لمحاربة الإرهاب، معلنة القطيعة التامة مع تصرفات النظام التي قادت لإدراج البلاد في قائمة الدول الراعية للإرهاب في العام 1993 الأمر الذي أدى إلى خسائر تراكمية ضخمة على المستويين الاقتصادي والسياسي.
لكن في الجانب الآخر لا يمكن توقع أن يكون رفع اسم السودان من هذه القائمة مجرد إجراء بروتوكولي يبدأ بتوقيع قرار من ترامب وتعقبه ابتسامات أمام الكاميرات، بل هو عملية متشابكة تشارك في إخراجها عدد من المؤسسات الأميركية عبر مسيرة إجرائية طويلة تبدأ من البيت الأبيض وتمر عبر دهاليز الاستخبارات الأميركية وغرف الكونغرس المتشعبة التوجهات.
وكل محطة من تلك المحطات تتطلب استراتيجية محددة ومفصلة تفصيلا جيدا من الدبلوماسية السودانية التي لا تزال في مرحلة ترتيب أوراقها، حيث لم تكمل الحكومة الجديدة شهرها الثالث بعد.
أبدى الخبير الاقتصادي صدقي كبلو تفاؤلا بشأن إمكانية رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب وذلك انطلاقا من حقيقة أن للولايات المتحدة والمجتمع الدولي مصلحة مباشرة في وجود سودان قوي ومستقر وقادر على الاندماج أكثر مع محيطه الإقليمي والعالمي بعد العزلة الكبيرة التي عاشها لنحو ثلاثة عقود من الزمان.
وأكد كبلو أن رفع اسم السودان من القائمة أصبح ممكنا بعد التحول الكبير الذي ظلت تشهده البلاد منذ نجاح ثورة ديسمبر والتي أكدت حرص الشعب السوداني على دعم الأمن والسلم العالمي.
نقلت صحيفة ” نيويورك تايمز” عن جون سوليفان نائب وزير الخارجية الأميركي السابق القول إن الإدارة الأميركية راغبة في رفع السودان عن قائمة الدول الراعية للإرهاب وهي تعمل مع الحكومة السودانية الجديدة في هذا الاتجاه، لكن الأمر يتطلب خطوات إجرائية عديدة.
وفي ذات السياق، قال كاميرون هيدسون المدير السابق للشئون الأفريقية في مجلس الأمن القومي الأميركي لوكالة الأنباء الأفريقية إن الإدارة الأميركية تريد التأكد من تثبيت دعائم الانتقال المدني في السودان قبل الإقدام على رفع اسم السودان من القائمة.
وفقا لرجل الأعمال محمد عبدالعزيز المتخصص في مجال البرمجيات والشبكات فإن كل الظروف باتت مواتية لرفع الحظر ، خصوصا في ظل الأوضاع الجديدة التي يعيشها السودان والرفض الشعبي الكامل لسياسات النظام السابق والتي كانت سببا مباشرا لإدراج السودان ضمن القائمة.
ويشير عبدالعزيز إلى أن الشعب السوداني عانى كثيرا من العقوبات الأميركية التي أثرت على مجمل القطاعات والأنشطة بما فيها قطاع التكنولوجيا الذي أثرت تبعات الحظر عليه على الاقتصاد الكلي بشكل كبير.