موقف “مفاجئ”… ماذا تغيّر ليعلن بري تبنّي ترشيح فرنجية؟

رغم كونه “تحصيلاً حاصلاً”، وشبه معروف لدى جميع اللبنانيين من دون استثناء، منذ اليوم الأول لفتح “البازار الرئاسي”، إن جاز التعبير، إلا أنّ إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري رسميًا وصراحةً تبنّي ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية الكثير من الجدل، خصوصًا لجهة التوقيت “السياسيّ”، الذي كان فيه الاستقطاب على أشدّه، من دون أن تلوح في الأفق بشائر “تسوية” لصالح فرنجية.

وإذا كان الحديث الصحافي لبري تصدّر الاهتمام، في ظلّ مواقف متباينة برزت من وصف “التجربة الأنبوبية” الذي أطلقه رئيس مجلس النواب على “مرشح الفريق الآخر”، في إشارة إلى “زميله” في البرلمان النائب ميشال معوض، ما اعتبره الأخير “إساءة وإهانة”، استوجبت ردودًا وردودًا مضادة لم تخلُ من “الانفعالية”، إلا أنّ القاصي والداني يدرك أنّ “جوهر” كلام بري كان في إعلانه دعم فرنجية علنًا للمرّة الأولى.

ولعلّ ما أثار الاستغراب في هذا الجانب، ليس “تأكيد المؤكد”، وإنما تغيير “الاستراتيجية” من دون سابق إنذار، ولا سيما أنّ بري وحلفاءه كانوا يصرّون على ترك فرنجية “مستترًا” بانتظار إعلانه “مرشحًا توافقيًا وتوفيقيًا”، في حين أنّ كلّ المؤشرات لا تشي بذلك، بل إنّ أجواء الأسبوع الماضي تحديدًا أوحت بالعكس، مع تصاعد المواقف المعترضة على من وُصِف بـ”مرشح حزب الله”، والتلويح بـ”تعطيل” أي جلسة لانتخابه.

انطلاقًا من ذلك، تُطرَح علامات استفهام عن الأسباب والخلفيّات التي دفعت بري لإعلان هذا الموقف، من خارج دائرة التوقعات، فما الذي تغيّر عمليًا حتى يصبح فرنجية مرشحًا “علنيًا” لفريق دون آخر، خصوصًا أنّ إعلان الترشيح جاء مقرونًا بـ”التصويب” على المرشح “الخصم”، ولو افتراضيًا؟ وهل يخدم تبنّي “الثنائي الشيعي” علنًا لترشيح فرنجية رئيس تيار “المردة”، أم يضرّه ويقلّل من حظوظه، كما يعتقد كثيرون؟

صحيح أنّ شيئًا لم يتغيّر، يقول المطّعون على موقف رئيس مجلس النواب، إلا أنّ الوقت قد حان لكسر الجمود، والانتقال إلى “مرحلة جديدة” في الاستحقاق الرئاسي، خصوصًا في ظلّ الاتهامات الموجّهة إلى بري وحلفائه بـ”تعطيل” الانتخابات، في حين أنّ العكس هو الصحيح، بدليل أنّ الأخير لديه مرشح “يتمسّك به حتى الرمق الأخير”، في حين أنّ المشكلة لدى الفريق الآخر، الذي يبدو واضحًا أنّه لم يحسم خياراته بعد.

فعلى الرغم من أنّ بري وحلفاءه استبدلوا اسم فرنجية بالورقة البيضاء في الجلسات الانتخابية التي عقدت، والتي أقرّها رئيس مجلس النواب بأنّها كانت أقرب إلى “المسرحية والمهزلة”، في حين أنّ الفريق الآخر وضع اسم النائب ميشال معوض في الصندوق، إلا أنّ الواقع بحسب ما يرى المقرّبون من بري، أنّ “الورقة البيضاء” لم تتفوّق على فرنجية من حيث الأرقام فحسب، ولكن أيضًا من حيث “صلابة الموقف”.

وبمعزل عن عبارة “التجربة الأنبوبية” التي قالها بري في معرض حديثه، وأثارت الكثير من الجدل، علمًا أنّه لم يقصد منها أيّ إساءة لا لمبدأ “طفل الأنبوب”، كما أوحى البعض، ولا لشخص معوض، الذي يكنّ له المحبّة، رغم الانفعال “المُبالَغ به” الذي صدر عن الأخير، يشرح هؤلاء الموقف بأنّ من وُصِف بـ”مرشح المعارضة” من دون أن يحصد “إجماعها”، لم يكن “مرشحًا جديًا”، وهو ما يدركه الأخير قبل غيره.

من هنا، فإنّ ما أراد بري قوله قبل الإعلان عن ترشيح فرنجية، وهو ما لم يعد خافيًا على أحد أساسًا، هو “ردّ” تهمة التعطيل “لمطلقيها”، وبالتالي فهو أراد التأكيد أنّ لدى فريقه مرشحًا “أكثر من جدّي” للرئاسة، وهو لذلك يريد إنجاز الاستحقاق الرئاسي بما يتيح فتح طريق بعبدا أمام رئيس تيار “المردة”، ولو أنّ الظروف الداخلية والخارجية لم تنضج نهائيًا بعد، في حين أنّ الفريق الآخر هو الذي يلوّح بالتعطيل.

لكن، هل كان إعلان ترشيح فرنجية في صالح رئيس تيار “المردة” فعلاً، ولو أنّ الأخير سارع إلى التضامن مع بري بوصفه “رجل الحوار”، بعدما “نأى بنفسه” عن الردّ على بيان معوض الذي حاول جرّه إلى السجال؟ ألا يمكن أن يُفهَم من إعلان بري “فرض” فرنجية مرشحًا لفريق، وهو ما كان رئيس تيار “المردة” يرفضه حتى الأمس القريب، متمسّكًا بكونه “مرشحًا توافقيًا”، لا “مرشح حزب الله”، كما يحلو للبعض وصفه؟.

يتحدّث العارفون عن وجهتي نظر متباينتين، تقول الأولى إنّ دعم بري وحلفائه لفرنجية لم يكن أمرًا “غامضًا”، حتى يكون للكشف عنه تداعيات سلبية كما يحاول البعض تصويرها، إذ إنّ القاصي والداني يدرك أنّ رئيس تيار “المردة” هو المرشح الفعلي لهذا الفريق، بدليل أنّ “الطلاق” شبه المُعلَن بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” لم يحصل بطبيعة الحال بسبب مشاركة الحزب في جلسات الحكومة، وإنما بسبب إصراره على دعم فرنجية تحديدًا.

في المقابل، ثمّة رأي آخر داخل الفريق المؤيّد لفرنجية لم يكن ميّالاً للإعلان الصريح والرسمي عن دعمه، قبل التوصل إلى تسوية، أو ضمان حصوله على أكثرية الـ65 صوتًا بالحدّ الأدنى، إذ يخشى هذا الفريق أن يمهّد مثل هذا الإعلان لـ”حرق” ورقة فرنجية، فيلتحق بالتالي بمعوض، الذي يدرك الجميع أنّ ترشيحه انتهى عمليًا، علمًا أنّه قد “يحرج” في مكان ما المؤيدين المفترضين له، بعدما أضحى رسميًا “مرشح بري وحزب الله”.

وبين هذا وذاك، ثمّة من يعتبر أنّ الإعلان لم يحمل جديدًا، ومن السطحية بمكان تصوير الأمور بهذا الشكل، فأيّ “تسوية” يمكن التوصل إليها، يجب أن تنطلق من كون فرنجية مرشحًا “جديًا” لا “مستورًا”، ويستذكر أصحاب هذا الرأي “تجربة” ميشال عون الذي أعلن “حزب الله” تبنّيه لترشيحه منذ اليوم الأول، من دون أن يحول ذلك دون وصوله إلى بعبدا في نهاية المطاف، وبتسوية شاملة انخرط بها “خصوم” الحزب قبل حلفائه.

في النتيجة، لم يتغيّر شيء على الأرجح حتى يعلن بري اليوم بالتحديد تبنّيه لترشيح رئيس تيار “المردة”، إلا أنّ الثابت أنّ الاستقطاب بات على أشدّه، وأنّ بري يجد أنّه من الضروريّ المضيّ إلى الأمام في سبيل إنجاز الاستحقاق، بعيدًا عن أيّ “مماطلة”، خصوصًا في ظلّ “التعطيل الشامل” الذي دقّ أبواب البرلمان، مع تعذّر انعقاد جلسة تشريعية، بعدما سُدّت أبواب الحوار قبل ذلك، وهو ما أثار استياء بري، وربما غضبه!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.