رياض سلامة مخرج التسوية اللبنانية؟

فجأة، ومن دون سابق انذار، قطعت سيارة حاكمية مصرف لبنان كل الاشارات الحمراء وزادت سرعتها لتسبق كل سيارات المشاكل الاخرى التي تعترض لبنان، على اهميّتها، ومنها المشكلة الحدودية في قرية الغجر، والحادثة الامنية في منطقة القرنة السوداء. هكذا، علت اصوات نواب حاكم مصرف لبنان وبدأت تسريبات التلويح بالاستقالة واتخاذ الخطوات التصعيديّة اللازمة. من يسمع هذا الكلام، يعتقد ان الازمة ابنة ساعتها، وان نواب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة صعقوا بخبر قرب انتهاء ولايته وعدم التجديد له، وصعوبة تعيين حاكم اصيل بدلاً منه نظراً للظروف التي يمرّ بها لبنان حالياً (ان لم يكن استحالة بسبب الفرغ الرئاسي وعدم اعتراف قسم من اللبنانيين بقدرة الحكومة دستوريا على اتخاذ قرارات بالتعيين)، ولكن الواقع مغاير تماماً.

الواقع الميداني والعملي يشير -وفق ما يتردد في صالونات المسؤولين واروقة المعنيين في مسائل المال والمصارف- الى ان الحاكم الاول لمصرف لبنان وسيم المنصوري هو الحل، وذلك استناداً الى ثلاث مسائل اساسية: الاولى هي تراجع رئيس مجلس النواب نبيه بري عن كلامه السابق لجهة انه سيطلب من المنصوري عدم القبول بتولّي مهام الحاكميّة بعد انتهاء ولاية سلامة، اذ بات الكلام في عين التينة عكس ذلك بشكل كلي، الى حدّ التحضير للتعامل مع المنصوري على انّه الحاكم بالوكالة. المسألة الثانية تتعلق بموقف حزب الله الرافض لايّ تعيين في ظلّ الفراغ الرئاسي من جهّة وتصريف الحكومة للاعمال من جهة ثانية، وبالتحديد لعدم “استفزاز” المسيحيين في مراكز تعنيهم بالدرجة الاولى، وقد صدر اكثر من موقف من الحزب يصبّ في هذا المجال.

اما المسألة الثالثة، فهي جولة المنصوري التي وصفها البعض بأنها بمثابة “تقديم اوراق اعتماده” والاهمّ انّه زار واشنطن صاحبة “الحلّ والربط” في المسائل الماليّة والاقتصاديّة (ليس في لبنان فقط بل في كل العالم)، وعاد منها من دون ايّ قيود، ما يعني نجاحه في الاختبارات التي خضع لها في جولته الدوليّة. بعد هذه المعطيات، يتساءل المرء عن السبب الذي يدفع بنواب الحاكم الى اعلاء الصوت والتحذير والوعيد، فيكون الجواب، ودائماً وفق ما يتردد في الصالونات والاروقة المذكورة، انّ الامر ربما يكون بهدف الاسراع في اعطاء الذرائع الكافية للاسراع في دفع المعنيين في الخارج والداخل لتحديد موعد للحوار واخراج التسوية المطلوبة. وبالتالي، يكون سلامة المخرج المرتقب للتسوية اللبنانيّة، كيّ لا يتم الاعتماد على المشاكل الامنيّة التي كانت دائماً الورقة الاخيرة التي تسبق الاعلان عن حوار او تسوية لانهاء ازمة طويلة غرق بها البلد، وهذه المرّة طالت لسنوات وكانت الاصعب في تاريخ لبنان القديم والحديث.

ينتظر لبنان العودة الثانية لجان ايف لودريان المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي، الذي يتوقع عودته منتصف هذا الشهر لدفع المفاوضات والاتصالات الى الامام وايجاد المناخات المناسبة لارساء اجواء الحوار الموعود، والذي اتفق الجميع على انه الطريقة الانجع لانهاء الامة اللبنانية. ولا شك ان ما صدر من قرارات قضائية بحقّ سلامة من جهة، والخطوات التي قام بها المنصوري والموقف المستجدّ لنواب الحاكم من جهّة ثانية، من شأنها تعزيز موقف لودريان في الضغط والتفاوض مع المسؤولين والمعنيين والاسراع في ترتيب الامور قبل انتهاء ولاية الحاكم نهاية هذا الشهر والتهويل بأن الامور ستشهد مزيداً من التعقيد، من دون الاخذ في الاعتبار شبه استحالة تعيين حاكم في الوقت الحالي للاسباب المعروفة. بذلك، قد يكون رياض سلامة المرحلة الاخيرة التي تسبق التسوية اللبنانيّة، لانّ القلق سيكون من انّ البديل هو الاضطرابات الامنيّة التي ستطلّ برأسها وتفرض نفسها وتلزم الجميع للتوجه الى الحوار مرغمين وبالوقت الذي لا يناسبهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.